لبث وحده في الحديقة بعد ذهابها، شعر بأنها ما زالت قائمة في مكانها. أحس غضبا قاسيا يجتاحه نحوها. كان أشبه بالكراهية. غير أنها كراهية عابرة. سرعان ما أخلت موقعها لأسر الحب وذله. لكنه استطاع أن يراها بعين ناقدة كأنما استعارها من زفرات الصراصير. إنها تتحول إذا شاءت إلى صخرة صلدة، وينضب معين الرحمة من قلبها. هذه المرأة العجيبة التي تؤاخي الفقراء وتصادق القطط وتناصب ابنها العداء. وكم خوفته من الشياطين، وها هو أسمج شيطان يتجسد في عنادها! •••
وقال عين وهي تتنهد في حزن بالغ: إن الولد عنيد، عنيد مثل أبيه ومثل أمه أيضا. وصممت ألا تبيعه وهو جوهرة حياتها. هو أيضا أحمق مثل أبيه. ولولا أن عم عبد الباقي أذعن في النهاية إلى مشيئتها لضاع مثل ذرة غبار. أجل إنه يحب البنت، والبنت جميلة حقا، ولكن ما قيمة الحب المترع بالضلال؟ والحب يحرره الزواج، وعند ذلك لا يجد بين يديه إلا امرأة تحلم برجل آخر. هكذا عاشت أمها متنقلة من رجل إلى آخر. إني مسئولة عنه اليوم، غدا يستقل عني ويرتكب حماقاته.
واستدعت أم سيدة وسألتها بجفاء: ماذا تعرفين عن عزت وبدرية؟
فذهلت المرأة وتساءلت بدورها: ماذا عن عزت وبدرية؟!
فهتفت بتحذير : إياك والمكر. - معاذ الله. - ماذا تعرفين إذن؟ - أستغفر الله العظيم. - لا يتحرك قلب في حارتنا إلا وأنت معه في نبضه!
فقالت بحرارة: لا تهمني الإشاعات. - تهمني أنا.
فنفخت أم سيدة وقالت بصوت منخفض: يتحدثون عن حب، إنهم كما تعلمين يصنعون من الحبة قبة. - يتحدثون عن حبه لها؟ - أجل. - وماذا يقولون عنها؟ - لا شيء، أنت تعرفين أباها. - وكيف يثبتون صدق رأيهم؟ - كلام فارغ، لا يقوم على أساس، نظرة عابرة مثلا.
فقالت بأسى: قد يقود ذلك إلى فضائح، اصدقيني يا أم سيدة، هل تقابلا ولو مرة واحدة؟ - أستغفر الله ... البنت تعيش في ظل أب صارم. - هل عرفت أمها؟ - طبعا. - ما رأيك فيها؟ - ليس بالرأي الحسن. - هل علمت بما يشاع عن ابني؟ - لا أستبعد ذلك. - والأب؟ - مستحيل. - هل حدثتك أم بدرية بهذا الشأن؟ - كلا، ولكنها طلبت مني البحث عن عريس مناسب، وألمحت إلى سي عزت وعلاقتي الوثيقة بوالدته. ولما كنت على علم برأيك فيها فقد اعتذرت بحجة أن سي عزت ما زال دون سن الزواج.
واقترحت حمادة الأفندي. - وماذا كان رأيها؟ - لم يملأ عينيها.
فقالت عين ساخرة: طبعا، ما دامت تحلم بالعلالي.
Halaman tidak diketahui