1
وجه الشبه هذا بكل وضوح، وأشار أكثر من مرة إلى تأثير فشته في تفكيره. فالمعطى الحسي عند البرجماتي ليس معرفة. والتجربة ليست مرآة لحقيقة مغايرة لا نستطيع، لظروف شاذة، إدراكها مباشرة. وإنما الأفكار موجهات للعمل، لا يمكن تقدير قيمتها إلا ببحث النتائج المترتبة على تصرفنا بموجبها. وليست معايير المعقولية في أي ميدان منزلة من السماء، وإنما هي معايير تأخذ بها الكائنات الفاعلة بوصفها ضرورات عملية. وكل تفكير، إذا فهم على حقيقته، إنما يكون استباقا للتجربة، لا يتضح صوابه آخر الأمر إلا بقدرته على الوفاء بحاجاتنا. وإذن فأقصى ما يحققه العقل ليس «التأمل»، وإنما الحل العملي للمشاكل. والحقيقي
real
ليس شيئا يتأمل، بل هو ما نقبله في النهاية بوصفه الحل المرضي لمشكلاتنا.
ولا جدال في أن طريقة فشته في التعبير مختلفة كل الاختلاف عن مثيلتها لدى البرجماتيين المتزمتين، الذين لا يقبلون على الإطلاق طريقته التشخيصية في الكلام؛ فذلك الميل الغريب لدى فشته إلى وصف الأمور كما لو كان ثمة شيء يسمى ب «الحرية»، هو الذي يؤكد ذاته ويحقق ذاته في الفعل، يصدم القارئ الذي لا يقبل آراءه، فيصف الكثير منها بأنها أشنع أنواع التضليل الميتافيزيقي. كذلك لا يمكننا أن ننكر أن فشته قد وقع، ولا سيما في مرحلته المتأخرة (التوكيدية)، في نفس الحبائل التي تحاول الفلسفة النقدية الكشف عنها، فهو يقع آخر الأمر ضحية ميله إلى تشخيص التصورات والنظر إليها كما لو كانت هي، لا نحن، التي تريد وتفعل. وتكون خاتمة مطافه المحزنة هي اتخاذه موقف «المثالي المطلق»، الذي ينظر إلى الذات الفردية، ومعها «اللاذات» التي تؤكدها الذات لأسباب عملية، على أنها أوجه أو مظاهر لروح مطلقة أو ذات كبرى يقال إنها تشمل الواقع بأسره.
وهكذا ينتهي الأمر بفشته إلى محاولة الإمساك بفطيرته والتهامها؛ فهو يبدأ بأنا جزئي متناه يضع
posits
عالما يخدم أغراضه العملية، وينتهي بإدماج الاثنين معا في أنا مطلق يضعهما معا. وهكذا فإن الشيء في ذاته الذي قال به كانت، والذي سبق لفشته أن رفضه رفضا قاطعا، بوصفه آخر بقايا التوكيدية، يعود إليه آخر الأمر كشبح لا يبارحه. والنتيجة أنه هو ذاته قد منح الميتافيزيقا التوكيدية فسحة جديدة من العمر أتاحت لها القضاء على كل مبرر لمذهبه في أولوية العقل العملي. وهو إذ قضى على تمييز كانت بين الترنسندنتالي (المرتبط بالتجربة) والعالي (المتجاوز للتجربة)، فقد أحال المذهب الذي بدأ في صورة نقد ذاتي مشروع إلى «نقد أعلى» ممسوخ انتهى به آخر الأمر إلى الخلط بينه وبين الواقع ذاته.
ومع ذلك فمن الممكن، إذا اقتفينا أثر أكثر مفسريه تحمسا له؛ أعني «جوشيا رويس
Josiah Royce »، أن نجد حتى في هذا الحطام شيئا ينقذه، شيئا لا يعد مجرد خزعبلات ميتافيزيقية. فرغم قوة «مذهب الأنا» لدى فشته، فإنه يدرك بوضوح الطابع الاجتماعي، بل العرفي، لكل نشاط إنساني.
Halaman tidak diketahui