74

علينا أن نهرب من هذا المكان بأسرع ما يمكن. نعم، لقد ابتلع من الزرنيخ ما يقتل ألف فيل وخرتيت، وهو الآن ميت، ولكن ما ضمان أن يحيا؟ وتملكني رعب عظيم وتخيل لي أنه بدأ يتحرك، بل بدأ يتكلم، بل يصرخ، سيهجم، سينقض، داخل الزنزانة، ولأنهما كانتا مريضتين وجائعتين؛ لأنه لا يطعمهما إلا القليل الذي يبقيهن على قيد الحياة، ولأنهما مصابتان بالسل والأنيميا؛ فكانتا تستجيبان لقوتي بسهولة، كانتا لا تستطيعان المشي، فأخذتا تزحفان على بطنيهما، تحبوان كالأطفال، بدا لنا الكهف كبيرا جدا، شاسعا جدا، مظلما جدا، بليدا، عنيفا، مخيفا جدا، يتمطى «كودامبعلو» أسطوري مريع، استطعت أن أوصل آمنة إلى قرب المخرج الذي تم إغلاقه بغصن من أشواك الكتر القاسية بإحكام، عدت إلى سوسن حيث إنها أخذت تصرخ في هستيريا منادية باسمي، كانت تقول لي بصوت متقطع: حيقوم تاني، حيقتلنا.

حاولت أن أطمئنها عن طريق وضعها في حضني وضمها إلي، لكنها كانت تقاوم بشدة أية محاولة اقتراب منها، بل كانت تحاول أن تعود مرة أخرى للزنزانة المرعبة، أمسكتها من يدها، جررتها على الأرض كجوال من التبن، نعم كنت قاسية بعض الشيء، لكنه إذا أفاق من موته سيقتلنا جميعا، وقد يحيا في أية لحظة. •••

كنا في المرسم نحتسي القهوة عندما تذكرت، ليس فجأة؛ لأنها دائما ما كانت تتذكر ذلك اليوم، قالت لي: إذا كنت أمتلك أية قوة كنت قتلتك في الوقت داك.

حقيقة كنت أريد أن أتخلص منك بأية طريقة، أريد أن أبقى في الزنزانة، كنت أحس بأنه لم يمت، بل هي خدعة من خدعه الكثيرة، موتة من موتاته المرعبة، كان أحيانا يجلس لساعات وأيام عدة على الأرض لا يتحرك، لا يأكل، لا يشرب، لا يتبول، ربما لا يتنفس أيضا، حتى إذا أردنا الهرب، نهض في رعب كالشيطان وأعاد اعتقالنا وضربنا.

المخلوق دا شيطان، شيطان حقيقي، ولكن لما تركتيني، حقيقة أحسيت بخوف السنين.

كانت تضحك بعمق، لكن لا يزال باقي الخوف في وجهها، وهي تحكي كيف أنها جرت على قدميها بسرعة مبالغ فيها، وأنها سبقتني إلى غصن الشوك، وأنها هي التي أزاحته جانبا وانطلقت تعدو في غابة الحسكنيت في الخارج.

الساعة الآن تدق معلنة الواحدة صباحا، توقفت سارة عن كتابة مذكراتها، كان آدم لم ينم بعد؛ يعد العشاء، في الخارج أصوات عربات تهرب مسرعة من وقت وآخر، سارة في الآونة الأخيرة عملت على كسب صديقات من نساء الجوار، حدث ذلك بعد صعوبة؛ لأنهن كن يتعاملن معها في بادئ الأمر كامرأة مثقفة، لها اهتمامات غير اهتماماتهن، وأسلوب في الحياة غير أسلوبهن، لدرجة أنهن كن يسألن أنفسهن: كيف تبدو امرأة محددة ومثقفة مثلها في فراش زوجها؟ وافترضن بطرقهن الخاصة أنها متعالية، وتهامسن بأنها شيوعية، وعرفن بأنها مترددة سجون، وقوالات أخرى كانت حاجزا بينها وبينهن، لكنها كانت تقوم بزيارتهن بصورة متواصلة وكن يرددن لها الزيارة، لكنهن عرفن وتأكدن من أنها امرأة عادية، وواحدة من النساء الجميلات، مثلهن عندما طلبت من نسيبة جارتها أن تدعوها إذا أشعلت حفرة الدخان. - سجمي، بتدخني برضو؟

لا يزال القلم في يدها وهي تتفقد آدم في المطبخ، كانت تفوح منها رائحة دخان الطلح، وبغنج أنثوي لذيذ جعلت منخريه يمتلئان بعطر النار الشهي، عرف حينها أن سارة قد تجاوزت الأزمة.

البلاد الكبيرة: السودان بيت التعب

ظهر ديوان شعر في المكتبات بعنوان «البلاد الكبيرة»، ألفته آمنة الخير مكتوب باللغة النوبية، ومترجم للعربية ولغة الفور والهوسا والدينكا، في مقدمته كتب ناقد عجوز ما يلي:

Halaman tidak diketahui