فان قيل: ما معنى هذا الكافور وما هو؟ قلنا: فيه وجهان:
أحدهما: أن يكون تشبيه ريحها وطعمها بالكافور.
والثاني: أن يكون اسما لعين من عيون الجنة يمزج لهم خمرهم بمائها.
وقال الفراء [في] الكافور، يقال: إنها عين تسمى الكافور وقد يكون كل مزاجها كالكافور الطيب ريحه فلا يكون حينئذ اسما.
فإن قيل: كيف قال: كان مزاجها كافورا وأصل «كان» للماضي وهذا شيء لم يكن بعد؟
قلنا: فيه ثلاثة أوجه: أحدها أن يكون كان ممثلا بالماضي ومعناه المستقبل، مثل قوله وجاء ربك وقال الشيطان وجيء يومئذ ونادى أصحاب الجنة ، وقال الشاعر:
فإني لآتيكم بسكر ما مضى
من الأمر واستيجاب ما كان في غد
أراد ما يكون.
الثاني: قال أبو علي الجرجاني: «كان» هاهنا زائدة والعرب تزيدها في أضعاف الكلام، ولا معنى لها مثل قوله: كنتم خير أمة أخرجت للناس [110/ آل عمران: 3] أي أنتم، ومثله/ 95/: وما جعلنا القبلة التي كنت عليها [143/ البقرة: 2] يريد أنت عليها، ومن ذلك قول الشاعر:
فكيف ولو رأيت ديار قوم
وجيران لنا كانوا كرام
أراد وجيران كرام كانوا لنا.
الثالث: وأقول قول الجرجاني (رحمه الله): وأما ما يحتاج إلى تأويل وتدبر وذلك لأنه ملغى؟ كان في قوله كان مزاجها كافورا ويحتج بقول الشاعر: «وجيران لنا كانوا كرام». ثم يدعي فيه تقديم اللفظ وتأخيره على معنى: «وجيران كرام كانوا لنا» فحينئذ يبطل معنى الإلغاء الذي ادعاه لأنه أفاد معنى صحيحا.
وكذلك قوله: كنتم خير أمة وأن صرفه من [في «خ»] ظاهر لفظه إلى معنى أنتم أحد الوجوه، مع أنه لا حاجة هنا إلى صرفه عن لفظه كان معناه: «كنتم في سابق علمنا حين قسمنا الأمم خير أمة».
وكذلك قوله: وما جعلنا القبلة التي كنت عليها أي كنت عليها قبل أن
Halaman 84