فتشاغل سامان بحك ذقنه الأجرود وتنحنح وظل ساكتا، فارتاب ضرغام في أمره فقال: «أليس الأمر كما أقول؟»
قال: «لو أنه اكتفى بالإرث لكان خيرا، ولكنه طمع فيها هي نفسها. ويحزنني أن أغضبك بهذا الخبر ولكنه الواقع وعلي أن أصدقك؛ فإنه طلب الاقتران بأختي على علمه أنها مخطوبة للبطل ضرغام وأنها يستحيل أن تقبل سواه.»
فقال ضرغام وهو يرتعد: «ثم ماذا؟»
قال : «تداركنا الأمر بالفرار؛ ففررت أنا وجهان في قافلة بما خف حمله من المال والمتاع، ولم نخبر أحدا من أهل القصر إلا القهرمانة خيرزان، فأخذناها معنا وركبنا مسرعين نقصد إلى سامرا قبل أن يعلم الأفشين بنا، فقطعنا البراري والقفار، وقاسينا عذابا شديدا من الحر والبرد والتعب حتى دخلنا خراسان ودنونا من همذان. وهناك فارقتنا القافلة وحسبنا أننا صرنا في أمان، فاعترضنا قوم من قطاع الطريق على خيولهم فدافعنا عن أنفسنا دفاعا حسنا جهد طاقتنا حتى كلت يدي وجرح رأسي، وكنت أتمنى لو أقتل وتبقى جهان سالمة ولكن ...»
فصاح به: «ولكن ماذا؟ هل أصابها سوء ...؟ أليست حية؟»
قال: «هي حية يا سيدي ولكنهم خطفوها وذهبوا بها وبقهرمانتها، وآخر ما سمعته منها قولها: «سلم على ضرغام وأخبره بما جرى».»
فتعاظم غضب ضرغام حتى غلى دمه واحمرت عيناه وقال: «ومن هم أولئك اللصوص؟ ألم تعرف أحدا منهم؟»
قال: «كلا؛ فقد كانوا ملثمين ولم يفوهوا بكلمة ولا سمعنا لهم صوتا خوفا من انكشاف أمرهم.» •••
وأطرق ضرغام برهة كان فيها كالضائع يحسب نفسه في حلم أو كأنه انتقل إلى عالم آخر، ثم انتبه لجلبة الناس أثناء خروجهم من المسجد وتذكر أن الخليفة معهم، فخاف أن يراه مختبئا فيشك في أمره فخرج واختلط برجال الدولة وأشار إلى سامان أن ينتظره فظل واقفا في مكانه. وبعد قليل انفرج الوقوف وشقوا طريقا للخليفة ووقفوا للتحية فمر بهم المعتصم يتفرس في وجوههم حتى وقع بصره على ضرغام فأشار إليه أن يتبعه، فاستعاذ بالله وخاف أن يكون في تلك الدعوة ما يحول دون البحث عن جهان. وتفرق الناس عن الخليفة رويدا رويدا حتى وصل إلى القصر ولم يبق معه غير ضرغام، فدخل وأشار إليه أن يلحقه، ففعل حتى وصلوا إلى غرفة خاصة، فالتفت الخليفة إليه وقال: «رأيتك خرجت من المسجد قبل الفراغ من الصلاة.»
فخجل ضرغام من هذا الاستفهام وقد فاته أن الخليفة يرى الخارجين والداخلين بالمرايا كما رأى هو سامان، ولكن رؤية سامان فجأة أنسته نفسه وموقفه. فلما سأله الخليفة عن سبب خروجه اعتذر بقوله: «خرجت لمشاهدة رجل لم أكن أنتظر رؤيته ويهمني أمره، وكان ينبغي أن أتم الصلاة لأكون في معية أمير المؤمنين، فعفوا لمولاي، وإني أعد ملاحظته التفاتا كبيرا إلى صنيعته.»
Halaman tidak diketahui