قالت: «إنك حكيمة لا تقدمين على أمر إلا بعد التفكير، فهل تعلمين أن بيننا وبين العراق مسيرة بضعة أشهر، يقطع معظمها في البراري الخطرة التي لا يستطيع سلوكها إلا القوافل المحروسة لكثرة اللصوص وقاطعي الطريق؟»
قالت: «مهما يكن من الأمر فإني ذاهبة إلى العراق.»
قالت: «تبصري يا سيدتي، أو يا حبيبتي، وأشفقي على شبابك ولا تعرضي نفسك للهلاك ... إن القاصد إلى العراق ينبغي له أن يقطع صحاري قاحلة يكثر فيها اللصوص من التركمان وغيرهم، وكثيرا ما يعترضون قوافل التجار الذاهبة إلى خراسان أو فارس فيقتلون أصحابها ويسلبون أموالها فكيف تسافرين أنت فيها؟»
قالت: «أسافر كما يسافر الناس. وسندبر وسيلة للسفر.»
فلما لم تر حيلة لإرجاعها عن عزمها قالت: «إذا كنت تذهبين إلى العراق خوفا من الأفشين فالعراق مقره وهو صاحب النفوذ هناك.»
قالت: «لست أخافه هناك، فإن يد الخليفة فوق يده، وهناك ضرغام أيضا.» قالت ذلك وسكتت لحظة ثم استأنفت الكلام قائلة: «لا أعني أن أستعين بضرغام عليه ولكنني ألقى هذا الشيخ الجاهل في بلد يسمع فيه صوت الحق. إنه يغلبني هنا بجنوده ولكنه هناك لا يقدر على ذلك، فلا تحاولي أن ترجعيني عن عزمي.» ومشت إلى الباب فتبعتها خيزران وقد أخذتها الدهشة ولم تتمالك عن البكاء.
أما جهان فمشت مسرعة نحو غرفتها لا تلتفت يمينا ولا شمالا وقد تمثلت فيها الشجاعة وثبات الجنان، ولم تجرؤ خيزران أن تعترضها ولا أن تدخل في أثرها فتباطأت في مشيتها. وإذا بجهان تناديها من الداخل، فأسرعت إليها فرأتها جالسة على سريرها والحيرة تتجلى في عينيها رغم ما في جبينها من دلائل العزم الصادق، فلما دخلت ابتدرتها جهان قائلة: «ألم يعد سامان بعد؟»
قالت: «كلا يا سيدتي، لم أشاهده هذا الصباح.»
فهزت رأسها وقالت: «تعالي، اجلسي بجانبي يا أماه.»
فجلست خيزران وهي تتهيب النظر إليها، فقالت جهان: «احذري أن يعلم أحد سبب سفري، وأوصي المهتر (قيم القصر) بأن يستمر في تعهد أموالنا ومغارسنا، وأخبريه أننا خارجون إلى بلد قريب ...»
Halaman tidak diketahui