محاكمة الأفشين
كان الأفشين قد أمر بإخراج السبايا من المعسكر في صباح ذلك اليوم، وقد حسن له ذلك سامان، وهو الذي دله على مقر جهان في قصر البطريق وأشار عليه بسبيها، وكان يتتبع خطاها منذ كان في البذ فعرف بخروجها إلى بلاد الروم ونزولها عمورية، وكان يفعل ذلك طمعا بما وعده به الأفشين من أمر الوصية. فلما فتحت عمورية ذهب إلى أخته وأظهر لها أنه جاء لنجدتها وأن الأفشين جرد هذه الحملة لإنقاذها وأخذ يحسن لها الرضاء به وهي لا تجيبه فحملها رجال الأفشين إلى معسكره على فرسها قبل وصول ضرغام إلى القصر ومعها هيلانة، وكانت تعزية كبيرة لها وقد تحابتا وتآلفتا وكل منهما تحسب نفسها شريدة لا نصير لها. فلما صارتا في معسكر الأفشين شق على جهان أسرها وحدثتها نفسها أن تطلب مقابلة المعتصم وتستجير به من الأفشين، فأتاها أخوها وحبب إليها السكوت، وذكر لها أنه سيأخذها إلى سامرا فتكون هناك كما تشاء . فلما ذكر سامرا تذكرت ضرغاما وفي نفسها بقية أمل بوجوده أو معرفة حقيقة حاله من أمه إذا كانت لا تزال على قيد الحياة، فوافقته واشترطت أن تكون هيلانة معها فقبل. وكان غرض سامان أن يفر بجهان قبل أن يعلم بها ضرغام، فلما رأى وردان في الصباح يبحث عنها أسرع إلى الأفشين وأشار عليه بأن يسرع بإرسالهما رأسا إلى أشروسنة للاحتفاظ بهما هناك ففعل، ثم أسرع سامان وأعد الأحمال وحامية تحرسهم في الطريق ورحل خلسة. ولما جاء رسول الخليفة بطلب جهان كان قد مضى على خروجهم بضع ساعات وهم على ظهور الخيل.
أما ضرغام فأصبح لا يدري ما يفعل وقد أدهشه غياب وردان وحماد، وخاف أن يكونا قد أصيبا بسوء، وظن أن الأفشين أوقعهما في تهلكة.
وبقي الجند في عمورية عدة أيام قضوا بعضها في بيع الغنائم والأسرى، وكانت كثيرة، ربح تجار اليهود منها ربحا جزيلا. وقضوا أياما بعد ذلك في هدم المدينة وإحراقها، وقتلوا من أهلها جمعا كبيرا وسلم ناطس نفسه.
فلما فرغوا من ذلك أمر المعتصم بالرجوع إلى سامرا، وضرغام في قلق لا مزيد عليه، ورجع مع الراجعين وهو يرجو أن يرى طلبته في سامرا. واتفق له أثناء الرجوع أنه رأى في عرض الأفق فرسانا لم يقع نظره على خيولهم حتى اختلج قلبه؛ لأنه رأى بينها جوادا عرف أنه جواد وردان، فهمز جواده لملاقاة الركب ولما اقترب منهم عرف اثنين هما وردان وحماد فصاح: «وردان؟»
فقال: «لبيك يا مولاي.» وفي صوته رنة السرور والظفر.
فقال: «أين كنتما فقد قلقت عليكما؟»
قال وردان: «كنا في سامرا.» قال: «لماذا؟»
قال وهو يضحك: «أوصلنا العروسين إليها ورجعنا.» قال ضرغام «أي عروسين؟»
قال: «جهان وهيلانة.»
Halaman tidak diketahui