قال: «نعم إياها أعني، إنها تشبه ياقوتة شبها عجيبا، فكنت إذا رأيتها حسبت ياقوتة أمامي. وكانت تتردد على قصر بابك أو تخرج معه على فرسها سافرة، فلم أشاهد في حياتي أجمل منظرا ولا أكثر هيبة وجلالا منها.»
فأحس ضرغام باختلاج قلبه، ولولا الظلمة المخيمة لرأى حماد الدم يتصاعد إلى وجنتيه. فأطرق لحظة راجع فيها ما يذكره عن ياقوتة وشبهها لجهان فقال في نفسه: «لعلها جهان.» والتفت إلى حماد وقال: «ومن هي جلنار؟ ومن أين أتت؟»
قال: «هي من جملة نسائه، حملت إليه من بلد بعيد كما حمل عشرات من أمثالها، لكنها كانت أكثرهن سلطانا عليه فكأنها سحرته. فبينما ترى رفيقاتها مختبئات في قصر النساء إذا رأين بابك سجدن له تراها راكبة فرسها الأدهم تجول في المعسكر تأمر وتنهي وأمرها نافذ على الكبير والصغير.»
فلما سمع ضرغام قوله: «فرسها الأدهم» انتفض كالعصفور بلله القطر أو هي قشعريرة المفاجأة فهب ناهضا وقال: «فرسها أدهم؟! أين هي بربك أرنيها يا حماد. إنها جهان ولا شك.» فأخذ حماد بلهفته وقال: «ليتها كانت جهان يا صاحبي، ولكنها أخرى اسمها جلنار.»
قال: «قلبي يحدثني بأنها هي، وما دامت تشبه ياقوتة. فإني أعرف أنها هذه شديدة الشبه بجهان. ثم إنك ذكرت أن جوادها أدهم، وأنها حملت من بلد بعيد، وهذه الأوصاف كلها تنطبق على جهان، ولا عبرة بتغيير الاسم. فأنت تعرفني مثلا بضرغام وليس في سامرا أحد يناديني بهذا الاسم، فاسمي عندهم الصاحب. هذه جهان لا شك. لقد ذهب اليأس من قلبي. فقل أين هي الآن؟»
قال: «أظنها في قصر النساء، فإنها تبيت هناك وتخرج عند الحاجة إلى قصر بابك.»
فتنهد ضرغام تنهد الفرج بعد الضيق، وتحول يأسه إلى أمل، ونظر إلى ثيابه الممزقة وهو يهم بالخروج فاستوقفه حماد وقال: «اخلع ثيابك والبس ثياب الخرمية حتى لا ينكرك الناس. وكذلك يفعل وردان، وفي صباح الغد نخرج معا إلى قصر النساء.»
فقطع ضرغام كلامه قائلا: «أأصبر إلى الغد؟ كيف أصبر؟ وهب أني صبرت فهل تصبر المدينة وقد أحدق بها المسلمون من كل جانب ولا يلبثون أن يفتحوها. وهل يخفى ذلك عليك؟»
قال: «لا أستغرب ذلك؛ لأني من جملة قواد بابك، وقد ندبني الليلة لحراسة هذا الباب؛ لأن بعض الجواسيس أنبأه بعزمكم على الهجوم من هذه الناحية، فأتيت في المساء وأقمت الكمناء حتى رأيناكم قريبين، فأمرتهم بالهجوم عليكم وكان ما كان، فهيا بدل ثيابك.» ثم التفت إلى وردان ليقول له أن يبدل ثيابه هو الآخر، فوجده مطرقا غارقا في تأملاته، فقال له: «ما بالك يا صاحبي؟ أمصاب أنت بمثل مصابنا أيضا؟»
فتنهد وردان وقال: «نعم يا سيدي. وستعلم ذلك متى وصلنا إلى قصر النساء وأنا أرى رأي ضرغام؛ أن نسرع الآن بالخروج.»
Halaman tidak diketahui