قال: «بل أبالغ في إكرامك وأهدي إليك الجواهر وألبسك أحسن الملابس وأختصك بالتقرب والمحبة، وأجعلك سيدة هذه المدينة، ولا أمنعك شيئا تطلبينه.»
قالت: «تلبسني الجواهر؟! ما الجواهر عندي إلا حجارة لامعة لا ترفع نفسا ولا تعلي مقاما، وهذا صندوقي مملوء من الجواهر، وقد تركت قصري وعقاري في فرغانة. ولو بقيت هناك لكنت ملكة من الملكات، ولكني رأيت هذه الأموال من أسباب شقائي؛ فتركتها!»
فقطع كلامها قائلا: «بلغني أن أباك المرزبان أقام عليك الأفشين صاحب أشروسنة وصيا. ما لنا ولكل ذلك، تعالي نتناول الطعام معا.» ودنا منها، فتراجعت مغضبة، فنظر إليها شزرا وقال: «إذا كنت لا تأتين طوعا أخذتك كرها، وأنت تعلمين أني إذا قلت فعلت؛ فقد كنت في فرغانة وأتيت بك إلى أرمينيا. فهل يشق علي أن أنقلك من قصر إلى قصر وبينهما مائة خطوة؟!»
قالت: «أظنك تحسبني وأنا على مرأى منك أقرب إليك مني يوم كنت في فرغانة. اعلم أنني لا أزال بعيدة عنك كأني في فرغانة أو أبعد منها!»
قال: «تقولين ذلك وأنت بين يدي! ولو شئت لقبضت عليك بيد من حديد أو أمرت رجالي فحملوك إلي موثقة؟ ولكنني لا أزال أرجو رجوعك إلى رشدك.»
فنظرت إليه نظرة حادة ملؤها التوبيخ والترفع وقالت: «قد تقبض على عنقي، وربما استعنت برجالك فأوثقتني أو قتلتني. ولكنك تنال كل ذلك قبل أن تستطيع لمسة أو نظرة مما كنت ترجوه مني. اقتلني إذا شئت، وإذا جبنت عن قتلي فأنا لا أجبن عن قتل نفسي فلا تحتقرني أو تهددني، واعلم أنك تخاطب فتاة أكبر منك نفسا وأربط جأشا وأقوى جنانا، وإذا كنت تحسبها كسائر من في قصرك من اللقيطات أو المسبيات أو الرقيقات فقد أخطأت. إنك تكلم ابنة مرزبان فرغانة. وقد قادتها المقادير إليك فاكسب صداقتها ودع غير ذلك. أو فامض في سبيلك وأرحني وأرح نفسك.»
وكانت تتكلم كمن له سلطان، وبابك يشعر بأنه يكاد يغلب على أمره بين يديها وكلما أرسلت إليه نظرة حلت من عزائمه عقدة فقال: «والآن ... ماذا تريدين؟»
قالت: «أريد أن تتركني وشأني.»
قال: «أتركك أياما تفكرين في أمرك لعلك ترجعين إلى صوابك وتعلمين أنك إذا أطعتني نلت السعادة.» قال ذلك وتحول حتى خرج من الغرفة وقد امتقع لونه. وكانت القهرمانة وخيزران واقفتين تسمعان شيئا من الحديث وكلتاهما معجبة ببسالة جهان وأنفتها. وبعد أن كانت القهرمانة ضدها أصبحت معها ولم تتظاهر بذلك لكنها صارت تلاطفها وتراعيها من ذلك الحين.
أما جهان فلم تقل ما قالته لبابك تهديدا، ولكنها كانت قد أخذت عدتها للدفاع أو الانتحار عند اليأس. وقد فتحت باب الاستمهال قصدا ريثما يعود الجاسوس وتعلم ماذا جرى لضرغام ثم تنظر فيما يكون.
Halaman tidak diketahui