لم تجد ما تفعله بيديها، فعدلت الكتاب وحركته إلى وسط المكتب.
قال البك: «إنني أفكر في القيام برحلة إلى قلعة روميليا، سوف يكون ذلك لطيفا.»
فهزت إلينورا رأسها وهي غير واثقة مما كان ينتويه من وراء تلك المحادثة، ولكنها سعدت أنها لا تتعلق بالخطاب الموجود فوق النشاف.
فتابع قائلا: «إن الزهور البرية تتفتح، وليس لدي مواعيد أخرى هذا المساء. إنها مسافة قصيرة، ويمكننا أن نأخذ معنا وجبة خفيفة.»
ألقت إلينورا نظرة على المكتبة ذات الستائر الحمراء المخملية التي تحجب الهواء ومجسمات الكرة الأرضية والسجاد وأرفف الكتب التي يعلو بعضها بعضا. كم ساعة قضتها في تلك الغرفة؟ كم صفحة قرأت؟ كان البك يرغب بشدة في الذهاب معها إلى قلعة روميليا، وهي تدين له بذلك على الأقل، أليس كذلك؟
سألها: «ما رأيك؟ هل ترغبين في الذهاب إلى قلعة روميليا اليوم؟»
نعم، سوف تكون نزهة لطيفة.
أعادت الكتاب مكانه على الرف، وفي خلال ساعة كانا قد انطلقا بمحاذاة الشاطئ الغربي للبوسفور في اتجاه المصب الضيق للمضيق. كان يوما رائعا بالفعل؛ فشمس الأصيل تخبو، وأرنب أبيض وبني اللون يقفز على جانب الطريق. وضعت إلينورا رأسها عند الساتر الشبكي، فأمكنها أن ترى لمحات من سربها وهو يحلق فوقها. وكما وعد البك، فقد كانت مسافة قصيرة.
قال وهما يتوقفان: «هذه هي قلعة روميليا. من ذلك البرج حاصر السلطان محمد الفاتح إسطنبول واستولى على المدينة من البيزنطيين منذ أكثر من أربعمائة عام.»
كانت قلعة روميليا برجا حجريا قصيرا يرتفع على نحو عشوائي بين كومة من الأنقاض والكلأ، ولم تبد للوهلة الأولى ذات قيمة على الإطلاق. ولكن عندما ترجلا وسددا النقود للحارس وتسلقا السلالم المقوسة حتى وصلا إلى تاجه المحزز المزود بفتحات للرمي، أدركت إلينورا أن البرج نفسه لا يهم، ولكن ما أضفى على قلعة روميليا أهميتها موقعها عند مصب البوسفور والميزة التي يوفرها ذلك الموقع. في ذلك الوقت من العام، كانت ساعة قلعة روميليا مغطاة بالزهور البرية الزرقاء الفاتحة، ونبتت باقات من الكلأ في شقوق الحجر. كانت حرارة النهار قد هدأت حدتها، وهب نسيم خفيف من جهة البحر. وبينما كان البك يعد الوجبة التي سيتناولانها في الهواء الطلق، والتي كانت تتكون من اللحم البارد والخبز والجبن والزيتون، اندفعت الهداهد من مئذنة أحد المساجد القريبة وامتدت بطول المضيق، وظلت رقعة من اللون الأرجواني تنكمش وتتمدد في مقابل سماء برتقالية زاهية كما لو كانت رئة سماوية. لم تكن إلينورا على يقين مما تود الهداهد قوله ، ولكنها شعرت بوضوح أن سربها يتحدث إليها. وبعد أن عبرت الطيور الماء عدة مرات، تفرقت في أيكة من أشجار الصنوبر خلف أوسكادار.
Halaman tidak diketahui