نظر البك من وراء كتف ضيفيه، وبدا كما لو كان قد استغرق للحظة في المشاهد العابرة.
ثم قال: «ثمة مبان جديدة تظهر كل يوم؛ مقاه ومحلات ومدارس ومساجد وأسواق، ولكن الطابع الأساسي لا يتغير. فمهما يكن من يعتلي العرش، ومهما بنيت محطات سكك حديدية جديدة، ومهما تكن الدولة التي تحرس سفنها الحربية البوسفور، فسوف تظل إسطنبول هي إسطنبول، من الآن وحتى نهاية الزمان.»
قال يعقوب وهو يرفع يده اليمنى كما لو كان يقترح نخبا: «تعبير رائع. نخب إسطنبول.»
وسرعان ما توقفت العربة عند المدخل الأمامي لمنزل البك، وأخذ فريق من السائقين ينزلون أمتعة يعقوب، ويفكون الجياد من العربة ويعيدونها إلى إسطبلاتها. كان منزل البك قصرا ضخما باللونين الأصفر والأبيض يقع على حافة المياه، ويراقب حركة السفن العابرة برقي وهدوء، كما لو كان رجلا عجوزا يرتدي حلة من ثلاث قطع ويطعم الحمائم وهو جالس على أريكة الحديقة. وبينما كان منصف بك يقود ضيفيه إلى الباب الأمامي، ألقى نظرة فضولية على سرب إلينورا الذي اتخذ من شجرة زيزفون تتدلى على الممر الخاص عشا له.
همس والدها: «لقد تبعك السرب. اعتقدت أنني رأيت أحدها خارج فارنا، ولكن السرب بأكمله تبعك.»
دهشت إلينورا أيضا، لا لأنها تشك في وفاء سربها، ولكن لأنها مسافة طويلة ما بين كونستانتسا وإسطنبول. وكانت تتخيل الرحلة التي قطعها سربها عبر البحر عندما دخلت غرفة الانتظار في منزل البك حيث جذبت انتباهها الثريا البلورية الضخمة التي تتدلى من منتصف السقف. كانت تصدر مجموعة كثيفة من الانعكاسات، وبدت كما لو كانت ستنهار في أي لحظة تحت وطء ثقلها، وتتهشم على السلالم الرخامية أسفلها. وداخل الباب الأمامي على يمينها مباشرة ثمة مائدة جانبية تناثرت عليها بطاقات الزيارة، وعلى يسارها تقف درع من دروع الحرب حارسة دائما للغرفة، وبسطت تحت قدميها سجادة ضخمة من الحرير الأحمر والأزرق والأخضر صنعت في هيريكي تمتد لأكثر من ثمانية أمتار من الباب الأمامي حتى أسفل الدرج. كانت أروع سجادة رأتها في حياتها حقا، ذات حافة مزينة بالكثير من الورود تحيط بثلاثة رسومات متداخلة تمكنت من أن تتبين فيها تصوير سفينة نوح وجنة عدن وأيام الخلق السبعة.
قال البك وهو يخلع نظارته الأنفية ويمسحها في حافة سترته: «للأسف، فإن أجنحة النساء مغلقة الأبواب، فلم تعد لدينا نساء يقمن هنا منذ فترة. ولكن إذا لم تمانع الآنسة كوهين في الإقامة في جناح الرجال من المنزل، فإنني أنوي تخصيص غرفة تناسبها تماما.»
توقف ونظر إلى إلينورا ينتظر الحصول على الموافقة، ولمعت عيناه العسليتان في ضوء القمر عندما ابتسم.
قالت: «لا بأس، سأكون ممنونة جدا.» «حسنا، إنها ممتنة. لقد حسم الأمر إذن. أيها السيد كروم، من فضلك اصطحب الآنسة كوهين إلى الغرفة الحمراء.»
وهنا ظهر كبير الخدم من الزاوية المخصصة له، واصطحب إلينورا إلى الطابق العلوي وهو يمد راحة يده مبسوطة لأعلى مرتديا قفازا أبيض اللون.
Halaman tidak diketahui