Carl Buber: Seratus Tahun Pencerahan
كارل بوبر: مائة عام من التنوير
Genre-genre
45 (22) التأويل التاريخي/معنى التاريخ
ليس هناك إذن «علم» للتاريخ، فالتاريخ ليس مجالا للعلم بل التأويل.
ليست هناك «نظريات» تاريخية، بل «وجهات نظر» أو «تأويلات» لا يمكن اختبارها، إذ هي لا تقبل «التكذيب»، ومن ثم فكل الملاحظات التي يبدو أنها تؤيدها لا قيمة لها ولو بلغت نجوم السماء عددا.
والمذهب التاريخي يفهم هذه التأويلات خطأ على أنها نظريات، وهذه إحدى مثالبه الكبرى. فمن الممكن مثلا تأويل التاريخ باعتباره تاريخ صراع بين الطبقات، أو تاريخ الصراع بين الأجناس البشرية من أجل السيادة، أو تاريخ الصراع بين الأفكار الدينية، أو بين المجتمع المفتوح والمجتمع المقفل، أو باعتباره تاريخ التقدم العلمي والصناعي. وكل هذه وجهات نظر تزيد أو تنقص في أهميتها، ولا اعتراض عليها من حيث خلوها من الإلزام (وإن تميز بعضها على بعض بالخصوبة، وهذه نقطة جديرة بالاهتمام)، وإنما هم يعرضون هذه التأويلات على أنها مذاهب أو نظريات، فيقررون أن كل تاريخ هو تاريخ الصراع بين الطبقات أو ما إلى ذلك. وهم إذا اكتشفوا شيئا من «الخصوبة» في وجهة النظر التي يأخذون بها، فتبينوا أن كثيرا من الوقائع يمكن تنظيمها في ضوئها، فهموا ذلك خطأ على أنه تأييد لمذهبهم، بل برهان على صدقه.
تختلف التأويلات فيما بينها بشكل واضح، غير أن التأويلات المختلفة، من حيث هي وجهات نظر متعددة لنفس الشيء، ليست متضاربة بالضرورة، فقد تكون «متتامة»
Complementary
يكمل أحدها الآخر. تماما مثلما تكون لقطتان من زاويتين مختلفتين لنفس المنظر الطبيعي . وهذا أمر جدير بالاعتبار، ويحمل متضمنات اجتماعية وسياسية هامة. فكل جيل لديه مشكلاته الخاصة، ومن ثم لديه مصالحه الخاصة ووجهة نظره الفريدة. ويترتب على ذلك أن على كل جيل أن «يعيد تأويل» التاريخ من زاويته، ليظفر بالتاريخ الذي يهمه والتأويل الذي يعنيه، وهو تأويل يكمل تأويل الجيل السابق ولا يناقضه، وتأويل لا يقل شأنا عما يكتبه التاريخي الساذج الذي يظن أنه بلغ من الموضوعية مبلغا يسمح له أن يسرد «أحداث التاريخ كما وقعت حقا». إذ ليست هناك «حقائق موضوعية» في التاريخ، بل هناك «تأويلات» جهدها من الموضوعية أن تتجنب الميل اللاشعوري والتحيز غير النقدي، وفضيلتها عندئذ هي «الخصوبة»، أي قدرتها على إضاءة الوقائع الماضية وإبراز موضوعها المعني وتوضيح مشكلاتها الحاضرة.
46 •••
ومجمل القول إنه لا يمكن أن يكون هناك تاريخ ل «الماضي كما حدث بالفعل»، بل يمكن أن تكون هناك «تأويلات تاريخية»، جميعها احتمالية غير نهائية. وإعادة كتابة التاريخ ليست «حقا» لكل جيل فحسب، بل «واجبا» عليه. لأن لكل جيل حاجة يريد أن يفي بها. إننا نريد أن نعرف كيف تتصل مشكلاتنا الحالية بالماضي، ونريد أن نرى الخط الذي سنأخذه في تقدمنا تجاه حل ما نشعر أنه مشكلتنا الرئيسية. إن هذه الحاجة هي التي تؤدي إذا لم تجد الإجابة العقلانية والوسائل الجيدة إلى التأويلات التاريخانية. وإنما تحت ضغط هذه الحاجة يستبدل التاريخاني بالسؤال العقلاني «ماذا علينا أن ننتقي بوصفه مشكلاتنا الأكثر إلحاحا؟ كيف نشأت هذه المشكلات، وأي الطرق يمكننا أن نتخذ لحلها؟» يستبدل به سؤاله الذي يبدو وقائعيا
Factual : «ما هو الدور الذي قدر لنا التاريخ أن نلعبه؟»
Halaman tidak diketahui