Carais Bayan
عرائس البيان في حقائق القرآن
Genre-genre
قوله تعالى : ( إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها ) (1) الأمانة : عهد الله الأزلي ، الذي عاهد به أرواح أهل القرب في مشاهدة جماله ؛ حيث قبلت الأرواح من الربوبية سمات العبودية ، ومن المشاهدة لطائف المحبة ، ووجدت أسرار الملك والملكوت عند سرادق الجبروت ، فكتمتها عن الأغيار ، فلما تلبست بالأشباح كادت تفشيها من الضعف عن حملها ، فأمرهم الله بكتمانها عن الخلق حتى يؤدونها إلى الحق سبحانه عند كشف جماله في الآخرة ؛ لأنه تعالى أهل تلك الأمانة ، وذلك قوله : ( إنا عرضنا الأمانة ) [الأحزاب : 72] ، لأنه أيضا أمرهم بإظهار ما كوشف لهم من أحكام الغيب عند العارفين وكتمانها عن الجاهلين.
قال الجريري : أفضل الأمانات أمانة الأسرار ، فلا يظهرها ولا يكشفها إلا لأهلها ؛ لأنهم أهل الأمانة العظمى.
قال بعضهم : الأمانة أسرار الله ، وأهل الأمانة هم العارفون بالله والعالمون بأسراره ، وهم الناظرون إلى القلوب بأنوار الغيوب ، فيحكمون عليها ، حقق الله أحكامهم ، وهو الذي قال الله : ( فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما ) [الكهف : 65].
( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا (59) ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا (60) وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا (61))
قوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر ) جعل الله تعالى الطاعة على ثلاث مراتب ، وهي في الأصل واحد ؛ لأنه مرجع الكل ، وكل طاعة منها مخصوصة بمقام من مقام الولاية ، فإذا كان أهلا لبساط القربة وفهم خطاب الحق بلا واسطة
Halaman 254