213

Carais Bayan

عرائس البيان في حقائق القرآن

Genre-genre

قال الشيخ أبو عبد الرحمن : أي : لا تجازنا بأعمالنا ، وعد علينا بفضلك ورحمتك ، إنك لا تخلف الميعاد ، بقولك : «سبقت رحمتي غضبي».

وتفسير قوله : ( إنك لا تخلف الميعاد ) عندي نفي علة الحدث عن ساحة الكبرياء ؛ لأن نقض العهد من شواغل أهل العلة ، أي : أنت منزه عن خلف الوعد ، ونحن في محل الأمن من ذلك ، فإن أوصاف الحدثان لا تجري على عزة كبريائك.

قال الأستاذ في هذه الآية : أي حقق لنا ما وعدتنا على ألسنة الوسائط من كمال النعمة ، وتكفير السيئات ، وغفران كل ما سبق من متابعات الهوى.

قوله تعالى : ( فالذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم ) في هذه الآية إشارة إلى تنزيه الأرواح من الخطرات ، وتقديس الأشباح من الشهوات ، هاجروا من غير الله إلى الله ، ثم إن الله تعالى حث الأعداء بإخراجهم عن ديارهم لحب عزته العاشقين الصادقين ، كيلا يركنوا بالطبع والحب إلى الإخوان والأوطان (1).

قيل في تفسيرها : تركوا الشرور ، وفارقوا أقرباء السوء.

وقوله تعالى : ( وأوذوا في سبيلي ) إن القوم إذا لم يذوقوا مرارة إيذاء المنكرين لم يبلغوا حقائق الالتجاء إلى الله ، والفرار إليه ، فإيذاء الأضداد يهيج للأولياء إلى مقام القبض ، وضيق الصدور ، ذلك محل الامتحان من الله سبحانه ؛ لكظمهم غصص غيظ المنكرين ، لتفتح بعد ذلك أبواب الخطاب ، وصفاء البسط ، وسرور المنة.

قال الجنيد : جزى الله إخواننا عنا خيرا ، ردونا بحقائقهم إلى الله ، وهذا سنة الله التي قد جرت على أهل سلوك المعارف والكواشف ، قال تعالى : ( ولن تجد لسنة الله تبديلا ) [الأحزاب : 62].

قيل : غير القوم بصحبة الفقراء ومجالستهم ، والتزيي بزيهم ؛ لأن الفقر هو طريق الحق ، ألا ترى المصطفى صلوات الله عليه لما جلس معهم ، كيف قال : «المحيا محياكم ، والممات مماتكم» (2).

Halaman 223