مقدمة المصنف
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي كان في أزل الآزال ، موجودا بوجوده ، وذاته كنوز صفاته ، وصفاته معادن جوده ، تقدست ذاته بذاته عن الأضداد ، وتنزهت صفاته بصفاته عن الأنداد ، قدمه متعال عن الكون والفساد ، وأزله مسرمد إلى أبد الآباد ، تفرد بوحدانيته عن الأماكن والأكوان ، وتوحد بجلاله عن المشابهة بالحدثان ، علم في القدم ما يبين بإرادته من العدم ، وأجرى بمقاديره القلم ، ورقم على اللوح المحفوظ ما قضى وقسم ، لم يزل متكلما بكلامه القديم ، وعالما بعلمه الأزلي الكريم ، فأوجد جوهر البسيط بقوته القدمية ، وكلماته الأزلية في فضاء القدرة ، وأبدع منه فطرة الخليقة ، وأخرج من أديان القدر المقدورات بصنع الألوهية ، ولباس العبودية ، واصطفى من تلك الجوهرة ، وطبيعة الأولية فطرة آدم عليه السلام على جميع العالم ، وعلمه الأسماء كلها ، وجعله من جميع البرية أصلها ، وأخرج من عنصر الأرواح والأشباح ، واختار منها صفوة الأنبياء والرسل والأولياء بالرسالة والولاية ، وخاطبهم بخطابه الأزلي ، وكلامه الأبدي ، ليدعو به عباده إلى خدمته ، وشوقهم إلى مشاهدته ، واجتبى من بينهم في الأزل روح المصطفى صلى الله عليه وسلم بأفضل الدرجات ، وأكرم المداناة ، واصطفاه المقام المحمود ، وكمال الكرم والجود ، وخاطبه بأشرف كلامه ، وأكرم فرقانه وقرآنه ، الذي فيه بيان مكنون أسرار ذاته ، وألوان صفاته ، وعجائب علومه الغيبية ، وغرائب آياته الأزلية ، وأرسله إلى كافة البرية ؛ ليهديهم به إلى الحق والحقيقة.
ثم أعطى أزمته الظاهرة إلى يد أهل الظاهر من العلماء والحكماء ؛ حتى شرعوا في أحكامها وحدودها ورسومها وشرائعها ، وجعل خالصة أهل صفوته غيبة أسرار خطابه ، ولطائف مكنون آياته ، وتجلى من كلامه ، بنعت الكشف والعيان والبيان لقلوبهم وأرواحهم وعقولهم وأسرارهم ، وأعلمهم علوم حقائقه ، ونوادر دقائقه ، وصفى دروج عقولهم بكشوف أنوار جماله ، وقدس فهومهم لسناء جلاله ، وجعلها مواضع ودائع خفي رموز خطابه ، وما أودع كتابه من غوامض أسراره ، ولطيف إشاراته من علوم المتشابهات ومشكلات الآيات ، وعرفهم معاني ما أخفاه في القرآن بنفسه حتى عرفوا بتعريفه إياهم ، وكحلهم بنور قربه ووصاله ، وأطلعهم على غيبيات عرائس الحكم والمعارف والكواشف ، ومعاني فهم الفهم ، وسر السر الذي ظاهره في القرآن حكم ، وفي باطنه إشارة وكشف ، الذي استأثره الحق
Halaman 11