Carab Hadha Zaman: Watan Bila Sahib
عرب هذا الزمان: وطن بلا صاحب
Genre-genre
أثارت زيارة ملك إسبانية للمدينتين المغربيتين المحتلتين سبتة ومليلية مشاعر العرب والمسلمين، وذكرتهم بماضي أوروبة الاستعماري الذي لم يتوقف حتى الآن.
فالاستعمار دفين في الوعي الأوروبي. يكمن أحيانا، ويتفجر أحيانا أخرى. لم يتخلص الوعي الأوروبي في رؤيته للعالم وللآخرين من الاستعمار؛ فالآخر والعالم لا وجود لهما في ذاتهما إلا من خلال تأكيد أوروبة لذاتها كقوة وحيدة في العالم، ووجود وحيد للذات؛ فلا وجود لغير المركز، والباقي أطراف. ولا وجود لأوروبة غير الحقوق، وعلى الآخرين الواجبات.
لقد صدرت الحضارة الأوروبية نفسها، وأوهمت العالم من خلال تدوين التاريخ أنها حضارة الحرية والديمقراطية والعلم والتقدم والإنسان. وهي مثل التنوير التي جسدتها مبادئ الثورة الفرنسية الثلاثة، الحرية والإخاء والمساواة، كما جسدت حركة التحرر العربي في مصر وسورية مبادئها في شعار «الحرية والاشتراكية والوحدة»، بصرف النظر عن الترتيب والأولوية للحرية في مصر، وللوحدة في سورية.
قدمت الحضارة الأوروبية في عصورها الحديثة نفسها بأنها ثورة ضد التسلط، وتحرر من القهر ورموزه؛ الكنيسة، والإقطاع في الحاضر في الدين والسياسة، وأرسطو وبطليموس والشروح العربية الوافدة في الثقافة والعلم. واستمرت الثورة في بداية العصور الحديثة ضد الملكية والرأسمالية حتى قامت الثورات الجمهورية والاشتراكية.
ويبدو أن المعيار المزدوج كان مصاحبا منذ البداية للوعي الأوروبي الحديث، مبادئ التحرر من التسلط، والحرية ضد القهر فقط لأوروبة، والهيمنة والاستعمار والسيطرة على غيرها. فمنذ أن أصبحت أوروبة هي مركز العالم الجديد بعد سقوط غرناطة وطرد المسلمين من الأندلس، انتشرت خارج حدودها الجغرافية إلى ما وراء البحار، اعتمادا على خرائط المسلمين ونظرياتهم في كروية الأرض، حتى وصلوا إلى النصف الكرة الغربي عبر الأطلنطي واحتلال القارتين القديمتين شمالا وجنوبا باسم الكشوف أو الاستكشافات الجغرافية، وكأن نصف الكرة الغربي لم يكن موجودا قبل قدوم الرجل الأبيض إليه، وكأن السكان الأصليين لا وجود لهم. وإن وجدوا يستأصلوا عن بكرة أبيهم حتى تخلو الأرض للمستعمر الجديد، وإحلال سكان آخرين محلهم؛ رقيق أفريقية الذين تم اصطيادهم كالحيوانات بالملايين. منهم من غرق في المحيط، ومنهم من وصل إلى الأرض عبيدا أرقاء لتعمير الأرض.
حدث ذلك في عصر الإصلاح الديني عند لوثر وكالفن. في الوقت الذي كانت فيه أوروبة تحرر نفسها من تسلط الكنيسة والإقطاع على يد لوثر ومونزر، كانت تستعبد غيرها وتلف حول البحار، وتعبر المحيطات غربا للوصول إلى جزر الهند الشرقية، أو شرقا عبر جنوب أفريقية والمحيط الهندي وبحر العرب من أجل الالتفاف حول العالم القديم كله. وفي عصر النهضة الذي تلا الإصلاح الديني احتلت القوى الأوروبية الجديدة السواحل، إنكلترة وفرنسة وإسبانية والبرتغال، نصف الكرة الغربي، وإنكلترة جنوب أفريقية. وقضت على إمبراطورية المغول الإسلامية في الهند. وانضمت هولندا إلى الركب فاحتلت جنوب شرق آسيا، أندونيسية، أكبر أرخبيل في العالم، واحتلت إسبانية الفلبين، وفيما بعد احتلت إنكلترة ماليزيا وإيران وأفغانستان. وفي عصر الثورة الفرنسية المجيدة احتل نابليون مصر. وبلغ الاستعمار الذروة في القرن التاسع عشر في وقت بلغت الرومانسية في أوروبة أوجها والدفاع عن قيم الحرية، وما سماه لسنج «العاصفة والاندفاع» باحتلال فرنسة وإنكلترة وبلجيكا أواسط أفريقية، وفرنسة الجزائر. وبعد خسارة تركية الحرب العالمية الأولى في القرن العشرين، وفي وقت بدأت أوروبة تكمل عصر العلم والصناعة، احتلت فرنسة وإنكلترة الوطن العربي في المشرق والمغرب، وروسية والجمهوريات الإسلامية في أواسط آسيا.
لم تختلف إذن العصور الحديثة رمز الحرية والتحرر والثورة ضد السلطة والتسلط عن الوعي الاستعماري الأوروبي القديم منذ اليونان والرومان، الذين استعمروا الشرق حول البحر الأبيض المتوسط، واندفع الإسكندر نحو مصر والهند وأواسط آسيا والشرق لتكوين إمبراطورية يونانية تفتت بعد موته بين قواده. كما اندفع قياصرة الرومان حول سواحل البحر الأبيض المتوسط لجعله بحيرة رومانية، وحررها العرب بعد ظهور الإسلام. واستأنف الصليبيون نفس الاندفاع الاستعماري بدعوى تخليص المدينة المقدسة من أيدي المسلمين، وانتصر عليهم صلاح الدين، واستعاد أراضي المسلمين في الشام، ثم استؤنفت الحروب الصليبية في المغرب بعد فشلها في المشرق، وأخرج المسلمون من إسبانية، واحتلت مدن الساحل الشمالي الأفريقي سبتة ومليلية، وفي الساحل الجنوبي في الصحراء. وأثناء حركة التحرر الوطني قايض الإسبان الصحراء الجنوبية بالمدن الشمالية. وفضل المغرب الانسحاب من الجنوب، وتأجيل الانسحاب من مدن الشمال. واحتلت إنكلترة طنجة وجبل طارق، كما احتلت مالطة وقبرص وقناة السويس والمنافذ البحرية خارج البحر الأبيض المتوسط في عدن ورأس الرجاء الصالح وسنغافورة؛ حتى تسيطر سيدة البحار على العالم من خلال السيطرة على طرق المواصلات البحرية.
وقد دافعت الإمبراطورية العثمانية عن سواحل المغرب العربي حتى الجزائر، وحررت ثماني مدن وهي في أوج انقضاض الغرب على «الرجل المريض» وتقطيع أوصاله. وبعد حركات التحرر بقي الوعي الأوروبي وعيا استعماريا يعاود هيمنته كلما ضعف الآخر، لا فرق في ذلك بين إسبانية ممثل الاستعمار القديم، وأمريكة ممثل الاستعمار الحديث.
في هذا الإطار التاريخي يمكن قراءة زيارة ملك إسبانية للمدينتين المغربيتين المحتلتين، سبتة ومليلية، بعيدا عن تراثها الجمهوري الحديث أثناء الحرب الأهلية، وتراثها الأندلسي القديم أثناء حكم العرب والمسلمين، والذي ما زالت تفخر به أمام العالم في غرناطة وقرطبة وأشبيلية وطليطلة. وماذا عن إعلان برشلونة الذي أصبح نموذجا للتعاون بين دول البحر الأبيض المتوسط؟ وماذا عن عودة الروح إلى إسبانية عن طريق الأندلس الجديدة، واعتزازها بثمانية قرون من التراث العربي الإسلامي؟
إن الوعي الأوروبي الاستعماري يتفجر من جديد بعد نكوص الحركات الوطنية والتفريط في مكتسباتها، وتحولها إلى نظم سياسية قاهرة للداخل، وتابعة للخارج. وقد بدأ ذلك بالاحتلال الأمريكي لأفغانستان والعراق، واحتلال إسرائيل لكل فلسطين، وتهديد إيران وسورية وحزب الله، محور الشر، والعمل على تفتيت السودان والصومال، وتحويل الوطن العربي والعالم الإسلامي إلى دويلات طائفية وعرقية ومذهبية، تصبح إسرائيل بينها دولة يهودية، كما صرح بذلك رئيس وزرائها، وليست مجرد دولة علمانية حديثة، تقوم بدور مصر في تحديث الوطن العربي، وتأخذ شرعية جديدة من طبيعة الجغرافية السياسية المحلية للمنطقة، وليست من أساطير الميعاد القديمة، شعب الله المختار وأرض الميعاد.
Halaman tidak diketahui