وانظر إلى شاب آخر ينوي الزواج ويعتمد على وجدانه، فهو يسأل: كيف تكون هذه الفتاة حين تصير أما بعد عشر سنوات؟ كيف يكون جسمها وعقلها؟ وهل هي من عائلة خالية من مرض الجسم أو العقل؟ وإذا كنت أحبها الآن فهل أحبها بعد عشر سنوات؟ وهل مستواها الاجتماعي يساوي مستواي أنا؛ بحيث نشترك كلانا في القيم الاجتماعية والاقتصادية والثقافية؟
وواضح أن العاطفي الأول يخفق في زواجه، أما هذا الوجداني الثاني فإنه ينجح؛ لأنه قد صورها في ذهنه كما هي في الواقع تقريبا.
وقس على هذا؛ فإن أخطاء التفكير كلها تقوم على أساس واحد، وهو أننا نعتمد في تصرفنا على عواطفنا بدلا من الاعتماد على وجداننا، وإذا كانت كلمة «كلها» قد بولغ فيها فنقول: إن 99 في المائة من أخطاء التفكير تعود إلى الاعتماد على العاطفة دون الوجدان؛ أي: الاعتماد على السلوك الحيواني بدلا من السلوك الإنساني.
هذه العواطف (= غرائز ملتهبة) قد ورثناها عن الحيوان كما ورثنا اللحية، ولكننا نتخلص من اللحية بالموسى، أما العواطف فيشق علينا التخلص منها، وكما كانت اللحية تنفعنا وتخدمنا أيام الغابة ومصارعة الوحوش؛ لأنها كانت تحيط بالوجه كالهالة فيبدو مخيفا كما لو كان وجه أسد؛ فإن العواطف كانت أيضا تنفعنا وتخدمنا أيام الغابة؛ لأننا كنا نصل بها إلى قرار حاسم عاجل لمواجهة العدو أو الصديق.
العاطفة تفكير الارتجال والبديهة: التفكير الذاتي الأحمق: تفكير الثلاموس.
والوجدان تفكير الروية والمنطق: التفكير الموضوعي الذكي: تفكير اللحاء المخي.
والآن بعد أن أكدنا ضرر العاطفة بالتفكير نقول: إن موت العواطف أو انخفاض رنينها إلى ما يقارب الموت في النفس كما يحدث في الشيخوخة يؤدي إلى انخفاض الوجدان والذكاء، بل أكثر من هذا؛ فإننا نرى أنه عندما تتغلب عاطفة واحدة وتلغى سائر العواطف كما في الجنون ينخفض الوجدان أو يزول؛ أي: لا نجد في هذه الحال ذكاء.
وهذا يجعلنا نرجع إلى ما سبق أن ذكرناه، وهو أن الوجدان يعود إلى جملة عواطف مختلفة أو متناقضة، يؤدي اختلافها أو تناقضها إلى وقفة التردد، التي تجعل المتردد يحس أنه يفكر وأنه حر يختار من بين عواطفه أو يؤلف بينها، ولكن هذا التفسير لا يكفي، وكذلك لا يكفي أن يقال - كما هو رأي السلوكيين والبافلوفيين: إنه ثمرة الانعكاسات المكيفة؛ لأن الوجدان أكبر من هذا وذاك، وليس شك أن بذرة الوجدان في الانعكاسات والعواطف، ولكن الوجدان شجرة وليس بذرة فقط، ولم لا نجرؤ ونقول: إنه اختراع جديد في الحياة، أو حاسة جديدة لفهم الدنيا فهما موضوعيا؟
والخلاصة؛ أن الخطأ الأساسي في التفكير هو الاعتماد على العاطفة دون الوجدان في تصرفنا، وهناك أخطاء أخرى سوف نعالجها عندما نتحدث عن التفكير الناجح وعوائقه.
وقبل أن نترك هذا الفصل يجب أن نذكر أن القوانين تعترف بالفرق بين جريمة العاطفة
Halaman tidak diketahui