الخامس: تنقيح المناط القطعي نظرا إلى أن الأحكام التابعة للمفاسد والمصالح النفس الأمرية لا تختلف بحسب أفراد المكلفين، للزوم دفع المضرة وجلب المنفعة اللازمة على الكل.
قيل: المفروض تبعيتها للوجوه والاعتبار، ولعل للخصوصية مدخلية.
قلنا: قد قرر أن الوجوه والاعتبار يراد بها ما عدا خصوصيات المكلفين من حيث هم كذلك، لأنها أشخاص مختلفة لا يدور مدارها الأمور النفس الأمرية، بل مدارها على المفاهيم العامة، كالمريض والصحيح، والمسافر والحاضر، ونحو ذلك من الصفات اللاحقة للمكلفين أو اللاحقة للأفعال. وأما مع اتحاد ذلك كله فخصوص زيد وعمرو لا دخل لها في ذلك.
قيل: هذا ينتقض بخصائص النبي صلى الله عليه وآله.
قلنا: لا نسلم كون الخصائص لشخصه، بل إنما هو لعنوان كلي، غايته انحصار ذلك في الفرد الواحد، ولو وجد له نظائر في ذلك العنوان لاشترك معه في ذلك.
قيل: فلعل في كل مقام اعتبر هناك خصوصية.
قلنا: الأصل عدم اعتبارها في الحكم إلا أن يقوم دليل عليه، إذ الاحتمال لا ينفع.
ودليلنا على ذلك: طريقة العقلاء، فإنا نراهم إذا وجدوا رجلا فعل فعلا فتضرر به، أو فعل فعلا انتفع به انتفاعا لازما، فإنهم يجتنبون عن الأول، ويرتكبون الثاني ولو مع الشك، ولا يلتفتون إلى أن ذلك لعله لخصوصية في ذلك الرجل لا نعرفها، فتبصر.
السادس: الاستقراء، فأنا وجدنا أغلب التكاليف والأحكام مشتركة بين المكلفين كافة، ولم نجد الفرق إلا في مقامات نادرة، فإذا شك في الاشتراك والعدم فينبغي الإلحاق بالغالب.
السابع: إطباق أهل الأديان كافة على الأخذ بما يصل إليهم ممن سبقهم من الموجودين أو السامعين، من دون سؤال عن أن ذلك هل كان لخصوصية هناك أو
Halaman 24