Tentang Kebebasan Saya Bercerita
عن الحرية أتحدث
Genre-genre
وهذا ليس مجرد فذلكة عقلية، ولكنها رؤية محددة تساعدنا على إدراك ما قد يعتور «حرية التفكير» من عوائق، فليست هذه العوائق مجرد سلطان أو صاحب نفوذ، أو أية عوامل خارجية مادية كانت أو معنوية تعترض «الخطة»، ولكنها أيضا عوائق قد تخترم العقل نفسه وتؤثر على «العملية الذهنية» دون أن تستثير أية رغبة في المقاومة؛ لأنها تحدث بإرادة من تقع عليه أو على الأقل في غفلة منه، وتسري في دماغه مسرى السرطان الخبيث، ومن أجل هذا كان النضال من أجل حرية التفكير ليس فقط نضالا «ماديا» لإزاحة عوامل القهر التي تقع على «الخطة» وتنحرف بالأهداف، بل أيضا نضالا معنويا، يستهدف تحرير العقل ذاته الذي يقوم ب «العملية الذهنية»، تحريره من كل عوامل القهر والتخلف والقصور.
ومن هنا أيضا قد ننخدع في بعض المجتمعات ونعتبرها مثل الحرية الأعلى، حيث لا يبدو لنا فيها ذلك القهر المادي الذي يقع على «الخطة والهدف»، وإنما يبلغ فيها القهر مبلغا فظيعا من المكر والخبث؛ لأنه يقع على «العملية الذهنية»، يقع في بساطة ويسر وبلا عنف، بل يقع على «المفكر»، أي على «الإنسان» وهو يستمتع به في الصحافة والإذاعة والتليفزيون والمسرح والسينما، بل في برامج التعليم، ويقع بما تحمله التقاليد والموروثات والمسلمات الفكرية، والاجتماعية الطاغية، من عوامل التخلف والقهر.
الفصل السادس
حرية الفكر مرة أخرى
لقد أعجبت إعجابا شديدا بالوضوح الناصع الذي عرض به الفنان الكبير الأستاذ حمدي غيث رده على ما كنت نشرته من حديث عن حرية التفكير، ويتلخص الرد في أنه بمثابة «تكملة» أراد بها الأستاذ حمدي غيث أن يستوفي بها جانبا من الموضوع رأى الأستاذ أنني أسقطته من حسابي بغير مبرر، وذلك أني حين عالجت موضوع التفكير وحريته، بدأت أولا بتحليل ذلك الشيء الذي نطلق عليه لفظة «تفكير» فإلى أي شيء نشير - على وجه الدقة - حين نستخدم هذه الكلمة فيما نقول أو نكتب؟ حتى إذا ما فرغت من ذلك التحليل، انتقلت إلى معنى «الحرية» حين توصف بها عملية التفكير.
وكانت خلاصة ما حددت به طبيعة «التفكير» أنه عملية ذهنية تنتهي بصاحبها إلى ما يشبه رسم خريطة لو اهتدينا بها عند التنفيذ، بلغنا الهدف الذي من أجل بلوغه جرت عملية التفكير عند من أجراها، وبمقدار ما تكون تلك الخريطة الذهنية صحيحة، تكون قوتها في تحقيق الهدف المنشود، وكذلك بقدر بعدها عن الصواب، لا يترتب على تنفيذها بلوغ للغاية التي يراد بلوغها، ثم تجيء «حرية التفكير» أو الحرمان منها، عند إخراج الخريطة الذهنية، أو النظرية إلى حيز التطبيق، فإذا روعيت حرية المفكر، ترك ليخرج فكرته من رأسه إلى دنيا العمل، لتتحول هناك من كونها فكرة في الذهن لتصبح عملا يؤدى، أو سلوكا يسلك، أما إذا قيدت حرية المفكر، رأيت صاحب السلطان الذي فرض ذلك القيد، قد فرض إجراءات من شأنها ألا تتم عملية الترجمة التي تحول الفكرة الكامنة في رأس صاحبها إلى واقع في دنيا الناس يرونه أو يسمعونه.
تلك خلاصة شديدة الإيجاز لما عرضته، فرأي الأستاذ حمدي غيث أنه إذ يوافق على الجانب الذي ذكرته من الموضوع، فهو يراني قد أغفلت جانبا آخر له أهميته وخطورته، فحديثي عن الحرية أو الحرمان منها قد انصب على جانب الفعل والتطبيق، أي إنه اقتصر على النصف الخارجي المنظور أو المسموع، ولكن ماذا عن الفاعلية الذهنية الداخلية نفسها؟ فإذا أجبته بأن أحدا لا يستطيع أن يحرمك من فاعلية عقلك، ما دمت منحصرا في حدود رأسك لا تخرج شيئا مما يدور فيه إلى الناس كلاما أو سلوكا تنشط به، أسرع فتلافى مثل هذه الإجابة في رده، شارحا لنا أوضح ما يكون الشرح، بأن الذي يعنيه هو أن حرية المفكر تتعرض للخطر حتى وهي لا تزال في مخبئها من الدماغ وذلك إذا كان المفكر قد وقع تحت تأثير العوامل الخارجية التي من شأنها أن تشكل للإنسان المتلقي لتلك العوامل طريقة تفكيره، فهناك ما نعلمه جميعا من وسائل الإعلام، وما تحدثه في تشكيلنا على نحو ما يريده لنا المسيطرون على تلك الوسائل، وسواء كنا على وعي بما يقع علينا ويؤثر فينا، أو كنا في غفوة عنه فالحاصل واحد، وهو أن يجد الإنسان نفسه يفكر وفقا لما شكله به من شكلوه، لا وفق ما كان ليفعله إذا خلوا بينه وبين فطرته وموهبته؛ ولهذا يرى الأستاذ حمدي غيث وجوب أن يكون المفكر «عاريا تماما إلا من إيمانه بالهدف»، وهذا الجانب الداخلي من حرية التفكير هو الذي يأخذ على الأستاذ غيث أنني أسقطته من الحساب - مكتفيا بالجانب الخارجي، جانب التنفيذ - الذي قد يتدخل صاحب السلطان في مجراه فيلغيه أو ينقص منه بالقيود التي يختارها لذلك.
واعتراض الأستاذ حمدي غيث له قوته ووجاهته، لولا أنه يتمنى للإنسان أمرا مستحيلا عليه بحكم طبيعته ذاتها؛ إذ إن عملية التفكير لن يكون لها وجود - مجرد وجود - إلا إذا كان قد سبق إلى ذهن الإنسان شيء ما ترتكز عليه ، كفراخ الطير تخرج من بيضها مزودة بأجنحتها لتطير، وإلا قبعت في أعشاشها، إن عملية التفكير - بطبيعتها - ضرب من الفاعلية لا يولد إلا وله في الرأس ركيزة يتكئ عليها ليتحرك، وانظر إلى حركة الفكر في دنيا «العلم» بشطريها: العلم الرياضي، والعلم الطبيعي، ففي العلم الرياضي لا بد من «افتراض» مجموعة من المسلمات حتى يتاح للفكر الرياضي أن يتحرك منبثقا منها لا لأن تلك «المسلمات» أمور تولدت عن العقل ذاته بما فطر عليه ذلك العقل منذ ولادته، بل لأن عالم الرياضة قد «افترضها» افتراضا، وكان يجوز له أو يجوز لغيره أن يفترض سواها، ولماذا وجوب افتراضها؟ ذلك ليكون لحركة الفكر محطة قيام، وإلا لما عرف القطار كيف يسير ولا إلى أين يسير، وأما في العلم الطبيعي فالموقف - في جوهره - هو هو، والاختلاف مقصور على الشكل؛ إذ العلم الطبيعي محطة القيام فيه هي مجموعة معلومات تجمع أولا عن الظاهرة المراد التفكير فيها بطريقة علمية، ثم يعقب ذلك تفسير يضم تلك المعلومات المتفرقة تحت فكرة واحدة نقدمها على سبيل الافتراض أيضا إلى أن يثبت تطبيقها على دنيا الواقع أنها فكرة صحيحة فها هنا أيضا كما ترى، لا بد من ركيزة يستند إليها العقل ليتحرك.
لكنك مع ذلك قد تسأل، ويحق لك أن تسأل قائلا: صدقنا وآمنا بأن عملية التفكير لا تبدأ في الحركة إلا إذا كان قد سبق ذلك في ذهن المفكر ركيزة ترتكز عليها لتسير، ولكن من الذي يضع في رءوسنا تلك الركيزة، أنضعها لأنفسنا بأنفسنا، أم يضعها لنا ذو نفوذ وسلطان؟ ولقد ذكر لنا الأستاذ حمدي غيث في رده أمثلة لركائز تقحم على عقولنا بغير اختيارنا، كالتقاليد، وما تبثه فينا الدعاية بأشكالها المختلفة، وها هنا نكون - بحق - قد وضعنا أصابعنا على نقطة بالغة الخطورة في تربية العقل تربية عملية موضوعية، وإن هذه المناسبة مواتية أقول فيها إن التاريخ الفكري للإنسان يشهد في جلاء أنه لا انتقال لجماعة الناس من مرحلة فكرية لم تعد صالحة للعيش المزدهر النامي، إلى مرحلة أخرى إلا إذا اقتلع من رءوس الناس بعض ما ركز فيها من أفكار بليت وذهب زمانها، لتحل محلها أفكار أخرى أكثر صلاحية لسير الحضارة.
ومن الأمثلة القوية لعملية الاقتلاع هذه ما بشر به فلاسفة أوروبا؛ إذ كانت على مشارف نهضتها من وجوب تنقية الرءوس مما بها، لإعادة النظر فيه وتمحيصه لكي يعاد البناء الفكري على أساس أقوى، وكلنا يعلم ما صنعه ديكارت في هذا السبيل حين طالب نفسه أولا بأن يفرغ رأسه مما يحتويه لأنه قد تلقى كثيرا جدا من الأفكار التي تلقاها قبل أن تكون له القدرة على النقد والتحليل والمراجعة والتحقيق؟ فإذا ما نحى جانبا محتوى الذهن، كان في وسعه عندئذ أن يعيد البناء من جديد على أسس ثابتة اليقين، ولا تقبل أن يشك في صوابها.
Halaman tidak diketahui