Sengaja... Dengarlah dan Anda Akan Didengar
عن عمد … اسمع تسمع
Genre-genre
إن مشكلة العاملين في مصر لا يمكن في رأيي أن تحل بتصدير فائض العمالة، بل تحل بالسؤال البسيط: لماذا يوجد عندنا فائض عمالة، بينما بقية بلاد خلق الله تعاني من نقص العمالة؟ والجواب في رأيي ليس هو أننا فقراء أو ضعفاء الإمكانيات، الجواب هو أن نظام التشغيل عندنا نظام فاسد، والدليل على فساده مثلا أننا نصدر الأذكياء منا ونستورد الكمبيوتر والعقول الإلكترونية التي لا تقوم إلا بجزء على ألف مما يستطيع أي إنسان ذكي ومتعلم أن يقوم به. نظام التشغيل في الحكومة سيئ، وفي القطاع العام أكثر سوءا، وفي القطاع الخاص هباب. لا نحن اقتبسنا النظام الاشتراكي بأكمله وبنظام تشغيله وتوكلنا على الله، ولا اقتبسنا النظام الرأسمالي بأكمله وتوكلنا على الله، وإنما حاولنا أن نخلق نظاما يتراقص على الحافة بين الرأسمالية والاشتراكية؛ فلم نجن من أي منهما إلا مفاسد كل منهما. مفروض أن أي نظام مجتمع ناجح يفرح بعدد خريجيه من الجامعة والمدارس المتوسطة ؛ فهم «قوى إنتاج» جديدة تضاف إلى قواه الموجودة أصلا وتزيد من طاقته على الإنتاج، أما غير المعقول فعلا فهو أن يصبح الخريجون الجدد «عبئا» على الإنتاج. إن الإنسان كما يقولون هو أثمن رأسمال، هو أثمن من الآلة على الأقل لأنه خالق الآلة وصانعها ومشغلها، ولكن تحت ظروف التشغيل التي تمر بها بلادنا أصبح الإنسان - سواء كان رجلا أو امرأة - هو أرخص السلع المعروضة جميعا، وما لم نغير فورا وجذريا من طريقة أو نظام التشغيل عندنا، فسيظل الإنسان الرأسمالي هذا يتناقص باستمرار، وسيظل الغباء المصري يطرد الذكاء المصري إلى خارج الحدود، ومن فقر نحن فيه ننتقل إلى فقر أكثر.
الطفل الذي يلعب والطريق السريع
منذ بضعة أسابيع قرأت خبرا في جرائدنا لا يزال التفكير فيه يزعجني إلى هذه اللحظة. الخبر يتعلق بمصرع طفلين شقيقين على الطريق الزراعي بين القاهرة والإسكندرية. ولا شك أن مصرع طفلين شقيقين في حادث مسألة يهتز لها أي إنسان، وبالذات لو كنت مثلي أبا لطفلين. ولكن ألمي الشديد للحادث هو الذي دفعني لتأمله! وأكثر من مرة أعدت قراءة الحادثة كما روتها الصحف، ودعونا نتأمل ما كتب. يقول الخبر - نقلا عن الجرائد - بينما كان الطفلان الشقيقان فلان وفلان «يلعبان» على «الطريق الزراعي» «السريع» في «رعاية» أمهما، فوجئا بعربة قادمة بسرعة «مجنونة» بلغت «المائة» كيلومتر في الساعة دهمتهما وأدت إلى مصرعهما.
الخبر أسوقه منقولا عن الصحف، ولكن الأقواس من عندي، ولقد وضعتها في محاولة لمعرفة العقلية التي صاغت الخبر، وبالتالي عقليتنا نحن في النظر إلى أمور العصر. الطرق الزراعية السريعة هي بمثابة الشرايين الملحة لحياة اقتصادية تنشأ في هذا العصر، إنها ليست «موضة»، إنها احتياج رئيسي من احتياجات أي اقتصاد. وكذلك العربة، إن الإنسان لم يخترع العربة إلا لحاجته إلى «السرعة»؛ إذ السرعة تعني استغلال الزمن، واستغلال الزمن يعني نقودا. وفي طموح الإنسان من أجل أن يخرج من فقر القرون الوسطى إلى غنى القرن الحديث كان لا بد له أن يخرج من سرعة القرون الوسطى «الحمار والحصان» إلى سرعة العصر الحديث «السيارة والطائرة».
الطرق الزراعية السريعة إذن لم تنشأ إلا لتسير عليها العربات بسرعات «مجنونة» فعلا. إن سرعة مائة كيلومتر تعتبر بطيئة بالقياس إلى السرعات التي أنشئت من أجلها الطرق السريعة واخترعت من أجلها العربات الحديثة.
أما آخر ما فكر فيه العصر فهو أن ينشئ الطرق السريعة لكي يلعب عليها الأطفال، وخاصة إذا كان اللعب «في رعاية أمهم!»
حسن جدا! لقد صرع طفلان في عمر الزهور! وقد يقول البعض إن المسئول هو السائق «المجنون» الذي كان يسير بسرعة «مجنونة» على الطريق السريع «المجنون». ولكنا لو استبدلنا بكلمة المجنون كلمة العصر في الجملة السابقة لاستقامت الجملة تماما مع منطق الواقع، ولوجدنا المسئول لا بد أن يكون إنسانا آخر، ربما هو المحافظ أو الحكم المحلي الذي لم يفكر في إنشاء أماكن يلهو فيها أبناء الريف مثلما يلعب زملاؤهم أبناء أعضاء النوادي في المدينة، أو ربما هي الأم التي حرمها الفقر من التعليم ومن إدراك طبيعة وخطورة السرعة في هذا العصر، وربما هو هذا الانقسام الخطير الذي نحيا فيه، شعب نام، في بداية استعانته بوسائل التحضر من الممكن أن نفقد عددا من الضحايا من هذا السبيل. ولكن المشكلة في رأيي أعمق من هذا بكثير.
ولم أدرك مدى عمقها إلا حين عدت وجمعتني الجلسات بمختلف الفئات والطبقات وسنوات العمر. والظاهرة التي حيرتني حقا هي أن الحديث مع الشبان والفتيان كان يقودهم دائما إلى سؤال هو: هل تؤمن بالأرواح؟ وما رأيك في الظواهر الخارقة التي يتحدثون عنها والتي تدل على وجود الأرواح؟
بل أكثر من هذا أذكر أني قرأت مرة خبرا عن ظهور «عفاريت» في شقة بشبرا تقذف السكان بالطوب، واستدعاء البوليس والنيابة للتحقيق في الأمر، وكيف أن العفاريت بلغ من جرأتها - بل صفاقتها - أن قذفت وكيل النيابة نفسه بالحجارة وأنه أثبت هذا في المحضر.
ورغم أني قرأت بعد بضعة أيام تكذيبا للخبر، إلا أنني لم أعلق على التكذيب أهمية، فهو لا شك قد صدر عن عقلية لا يزال بها بعض الحكمة، ولكن المشكلة هي في الغالبية التي آمنت وتؤمن بما جاء في الخبر.
Halaman tidak diketahui