Sengaja... Dengarlah dan Anda Akan Didengar

Yusuf Idris d. 1412 AH
47

Sengaja... Dengarlah dan Anda Akan Didengar

عن عمد … اسمع تسمع‎

Genre-genre

في الحقيقة بقي حل واحد فقط، أن يرجعها لعصمته، وذلك بأن يقوم بواجبه الزوجي فيصبح الطلاق كأنه ما كان. ولكنها رفضت هي بتاتا هذا الحل، وتماما مجرد أن يلمسها؛ فهي لا تقبل حتى رؤياه، فما بالك أن يقضي ليلة حب معها؟ وهي متمسكة بالطلاق الذي وقع ولا ذرة أمل أن تغير موقفها. - وأنا راخر متمسك. - طيب شوف لك بقى حتى تتهوى فيها. - ما ليش إلا هنا. - والله تقعد هنا تمشي من هنا أنا ح أعمل اللي على كيفي، وإذا ما كنش عاجبك الباب يفوت الجمل.

وهكذا بدأت المأساة التي كتب لي القارئ ست عشرة صفحة يستعرضها. فهما لا يستطيعان أن يقولا للناس إنهما مطلقان، وفي نفس الوقت ليسا زوجين على الأقل بينهما وبين أنفسهما. وهو يسمع، ويشاهد المفتاح يفتح الباب في الثالثة والرابعة صباحا، وأحيانا بعد أيام قد تمتد إلى أسبوع. وهو مضطر إما أن يرتكب جريمة ويقتلها، وهذا حل قلنا وقال هو إنه ليس باستطاعته، ولا يبقى له إلا أن يسكت.

ثم طرأت على رأسه فكرة، طب ما راخر يعمل اللي هو عايزه. وفعلا كأنهما في بيتين منفصلين، بدأت النساء الغريبات يدخلن ويخرجن، وبالتالي بدأت هي تحضر الرجال الأغراب. بل وبدأ ما هو أتعس وأبشع؛ بدأ الولد والبنت بعد الأسئلة التي لا تجد جوابا، أو يجاب عليها بغموض لا يشفي غليلا. بدأ الولد والبنت يعرفان كل شيء، وبالطبع ينهاران من الداخل تماما. ثم ... ثم بقية الخطاب الطويل ألم، ألم! أبشع أنواع الألم! والسبب «أزمة المساكن» والخلوات! هذا خطاب.

الخطاب الثاني يكاد يكون من دفعة من خريجي الجامعة - وليس من مجرد فرد - لم يستطيعوا لأسباب اقتصادية والتزامات عائلية أن يتزوجوا أيام كان الخلو مائة ومائتي جنيه، وحين بدأوا يفكرون في الزواج كان قد ارتفع إما إلى التمليك بالآلاف وإما إلى الخلو أيضا بالآلاف. وصل بعضهم إلى الأربعين والواحد والأربعين والخمسة والأربعين، والعمر ينزلق، ولا مال يتكون ليكون خلوا أو تمليكا، ولا زوجة ترضى ما دام الزوج جامعيا بأقل من السكن في الشقة، يعني ذبالة عمرهم بدأت تذوي، وحنينهم إلى الخلفة وتكوين عائلة تؤويهم ليل نهار يتعاظم، وهم كأبطال الإغريق الذين حلت عليهم «لعنة السكن» لا يزالون يسكنون كل اثنين في حجرة، وأحيانا كل ثلاثة، بالضبط كما كانوا أيام التلمذة. ويسألني القارئ في النهاية ماذا يفعل؟ وماذا أستطيع أن أفعل لمساعدته ومساعدة أمثاله، وكأنني هرقل القادر على أن يقاوم لعنة آلهة الأوليمب أو شيطانة المساكن؟

أما الخطاب الثالث القادم من الآنسة السيدة أو السيدة الآنسة فمشكلة أعجب، والبنت من المنيرة من أسرة متواضعة تسكن هي وأمها وأبوها في حجرة، والولد أبوه مزارع باليومية في إحدى محافظات بحري. والاثنان أتاح لهما التعليم بالمجان فرصة أن يكملا ويدخلا الجامعة، وليس أن يتخرجا في وقت واحد فقط بل أيضا خلال السنوات الأربع يتعارفان ويتحابان. وحيث لا مكان لأي شيء آخر، فهو يسكن لدى خاله في نصف حجرة يشاركه فيها ابن خاله، وهي كما قلنا مع أبيها وأمها في حجرة على السطوح ؛ بيت من بيوت المنيرة حيث لا مكان لأي شيء آخر، حتى ظلا خمس سنوات لا يتلامسان إلا بالأيدي وبالقبلات المختلسة في الأورمان، أو على ظلام ضفاف النيل أحيانا. وهما مخطوبان في بنصر كل منهما دبلة، ولكن في القاهرة مأساة تمنع أي انتقال للدبلة من اليد اليمنى إلى اليد اليسرى أبدا. حتى الكتاب كتباه، بل ومن مرتبها المتواضع ومرتبه بدآ في شراء أشياء للبيت. الحلم الذي لا سبيل إلى تحقيقه إلا بأن يعود فلاحا يزرع الأرض مع أبيه، وترضى هي أن تتنازل عن العمل وتعود تتعلم كيف تشتغل «نفرة» باليومية في قرية حبيبها. وحيث إن هذا مستحيل، والالتقاء تحت سقف واحد مستحيل أيضا، وحيث إننا بشر ومكتوب حتى كتابنا، ضج جسداهما بالوضع وحدث ما حدث في ركن من سطوح البيت الذي تحتل حجرة أبيها وأمها قطعة منه، واستحلياها، فتكرر الحدوث ما دام «الجو ربيع» وصيف. ولكن الكارثة لم تكن هنا، الكارثة حين جاء الشتاء وهما شابان يطفح جسداهما بالشباب وبالرغبة الحلال، واستحال الحدوث على السطوح واستحال حتى أن يكون في حجرة أبيها وأمها؛ ذلك أن الأب مرض بالشلل النصفي ورقد في الحجرة ليل نهار، وأنت لا تستطيع أن تتوقف عن الطعام وقد تعودت أن تعيش بأكل الطعام. ولم يكن هناك من حل آخر. وبالإقناع والتلامة وبكل سلاح رضي الأب ورضيت الأم أن يشاركهما الشابان الحجرة أثناء الليل. وضعا ستارة من القماش تقسم الحجرة قسمين، وبدأت المأساة من أول ليلة؛ بعد أن اطمأنا إلى استغراق الأب والأم في النوم بدآ يستيقظان. ولكن الشاب ريفي خجول، ولساعات مضى يتصبب عرقا ويحاول أن يلغي وجود النائم في نصف الحجرة الآخر، غير أنه لا يستطيع أبدا، لا ليلتها ولا ليالي كثيرة تلتها. ولا طب ولا أطباء نفعا؛ فالمشكلة ليست طبية، إنها «مرض سكني» محض علاجه «الانفراد». وتستغيث بي السيدة الآنسة لأتوسط لها لدى المحافظ؛ فقد بدأت تحس أن عواطف عريسها الزوج بدأت تفتر وتهدد بأن تنقطع، وهو كما تقول: «حياتها» إن تركها ستنتحر، وهي لا تقول هذا تهديدا، ولكنها بدت لي من خلال سطورها الطويلة الدقيقة أنها فعلا ستفعلها لو الشاب تركها. •••

لم تعد المسألة إذن مسألة إسكان. لقد تحولت من أزمة إلى مأساة اجتماعية أخلاقية تماما، وتدهورت إنسانيا إلى مراحل أحط من حيوانية الحيوان.

أيها السادة الذين تناقشون في مجلس الشعب مشاكل قوانين الإسكان، نحن نواجه وضعا لا تستطيع الحكومة بإمكانياتها الحالية حله، هذه حقيقة أنا متأكد منها. ومتأكد أيضا أن الملاك أو من يسمون القطاع الخاص هم وحدهم القادرون على زرع عمارات ومساكن مهما بولغ في تقدير أرباحهم منها، فهي في رأيي المتواضع أهون ألف مرة من أجيال تتهرأ وقيم تغوص وتنمحي وأطفال حتما فاسدون أو سيفسدون. أي حل في هذه الحالة حلال، وأقولها وأنا الاشتراكي المؤمن تماما أن الاستغلال هو شيء من أسوأ الخصال البشرية، أقولها مثلما فعل عمر رضي الله عنه حين أمر بإيقاف إقامة الحد أيام الأزمة، أي أوقف ركنا من أركان الإسلام. أقول فليربحوا وليستغلوا؛ فلا بديل إلا أن نتحول بواسطة الأزمة الحالية إلى حيوانات في زرائب كافرة بكل قيمة، مستعدة لأن ترتشي وتسرق وتفعل ما فعله مالك. ما دامت إنسانيتها مهددة على هذا النحو في أخص خصائصها: سقف يؤويها. لقد قدم المهندس حسن محمد حسن وزير الإسكان حلا يغري به القطاع الخاص على الإسراع في مساعدة الحكومة لسند مجتمع يتقوض؛ فأرجوكم وافقوا الرجل وساعدوه على أن يصنع شيئا يكون فيه حل عملي للمشكلة؛ فما أقرؤه من بريد وما أسمعه وألمسه من قصص، شيء يختل له أي عقل لأي إنسان لديه ذرة عقل. إنه شيء لا يمكن احتماله. وإلى الجحيم بأي مكسب قد يكسبه صاحب المسكن؛ فالمطلوب أن يكثر العرض ليقل الطلب، وبطبيعة الأشياء ما دمنا سنغريهم فسيبنون أكثر ويزاد العرض، وحتما سنصل إلى وضع تعتدل فيه كفة الميزان. دعوكم من الألفاظ الجوفاء، فالناس تتعفن نفوسها من الداخل، أجيال بأكملها تضيع، ولا يمكن أن نسمح للعفن أن يصيب أعماق - بالذات - شبابنا وشباتنا وأجيالنا الكثيرة التي كبرت في الأزمة وتقاسي بأعنف القسوة منها. ولا يمكن أن نسمح لنفوس هؤلاء أن يصيبها العفن حتى لو جاء القانون ليعطي بعض المكاسب لأصحاب العمارات الموجودة المؤجرة مفروشة لتطرح للإيجار، والتي ستبنى لنحل المشكلة قبل أن تحللنا تماما. فنحن في منتصف الطريق، وإذا اعتمدنا على الحكومة أن تبني أرخص وأقل ربحا فسنكسب قليلا من النقود هذا صحيح، ولكننا سنخسر جيلا، هذا إذا كان في استطاعة الحكومة أن تفعل، فما رأيك وهي لا تستطيع؟ إني ها هنا أناشد كل من باستطاعته أن يبني بيتا أو عمارة أن يفعل، ولا أقول فلنكف عن بناء دور العبادة، ولكن العبادة تبدأ بمسلك، والمسلك يبدأ بمسكن، وما فائدة أن تعبد الله في بيته الفاخر بينما الخطيئة كالنار مستشرية في بيوتنا، داخلها وخارجها، والسبب أزمة المساكن؟ لا أعرف بلدا في العالم يمر به على نفس الدرجة الذي نمر به نحن، يمر به أناس صامتون، فمعظم من يتحدثون ويتحذلقون على صفحات الجرائد والمجلات والإعلام لهم سقف يظلهم ويتيح لهم أن يكون لهم رأي أو موقف. المعذبون، المحروقون المكويون غضبا وحنقا الذين لا يكتبون ولا يكابرون، لا يملكون إلا أن يموتوا بغيظهم هم الذين يعانون بوحشية يعانون، وكل مناقشة وكل تأجيل يزيد من بشاعة ما يحتملون؛ فقرروا، وفروا شيئا، أي شيء.

المهم: أي سينما؟

أثار الموضوع الذي كتبته عن كرامة المرأة وإنسانيتها التي يحاول إهدارها ردود فعل كثيرة، وخاصة عند أصدقائنا السينمائيين الذين اعتبروا أني «أهاجم» السينما المصرية «الناجحة». ورأيي أن يعود هؤلاء السادة لقراءة ما كتبت، بل رأيي أن يقف منتج ومخرج وكاتب كل فيلم «ناجح» على أبواب السينما التي يعرض فيها فيلمه، ويتلقى من الجمهور رأيه فيما شاهده مباشرة، وأرجو أن يخرجوا بعد هذه التجربة أحياء. بالعكس إن ما حاولته هو إنقاذ حقيقي لصناعة السينما في مصر. قد بدأت بلاد عربية كثيرة تمنع دخول الأفلام المصرية، خوفا على أخلاقيات شعبها وأجيالها الجديدة. واستمرار الحال على هذا المنوال هو التهديد الحقيقي لصناعة السينما، أما مطالبتي ومطالبة غيري بإنتاج أعظم وأكبر وأكثر متعة، بحيث يحمل للمتفرج ترفيها حقيقيا يرفع من إنسانيته ولا يخرج بعده وهو خجل من نفسه ومن بلده ومن سينمائييه، وكأنه ارتكب بما شاهد خطيئة في حق نفسه لا تغتفر. ذلك هو المطلوب. إن كل الناس مع السينما وأنا منهم، ولكن معظم الإنتاج السينمائي عندنا ليس سينما، وليس فنا، ولا صناعة، ولكن له اسما آخر من المستحسن أن يوضع عليه كما يحدث في البلاد الغربية «المنحلة من فضلك» حينما نقول إن هذا فيلم جنسي لا يراه إلا الكبار، وهذا فيلم يراه الجميع، وهذا فيلم لا يعرض إلا في النوادي الخاصة. أما أن يدس لي ما أسميته بالماء الكاوي الذي يذيب القيم - أبسط القيم حتى الصداقة - في إطار سينما للجميع؛ فهذا هو ما لا يمكن أن يقبله أحد.

إنها ليست دعوة إلى التزمت وأن ترتدي أفلامنا الحجاب ... أبدا، وإنما هي دعوة إلى الصدق والصراحة والحرية في معالجة أمور حياتنا، حينئذ سيقبل الجمهور إقبالا لا تحظى به الأفلام الجبانة المفتعلة. انفتحوا على حياتنا وعلى ما فينا من مرح حقيقي، على بطولاتنا وعلى أخطائنا وافعلوا هذا بشجاعة، وهذا هو الإنقاذ الوحيد، مرة أخرى أقول الوحيد.

Halaman tidak diketahui