وهي تبكي وهن يبكين معها ، قال : ونظرت صفية بنت الحارث الثقفية زوجة عبد الله بن خلف إلى علي ، فصاحت هي ومن كان معها هناك من النسوة وقلن بأجمعهن : يا قاتل الأحبة ، يا مفرق بين الجميع أيتم الله منك بنيك كما أيتمت ولد عبد الله بن خلف! فنظر إليها علي فعرفها فقال : أما أني لا ألومك أن تبغضيني وقد قتلت جدك في يوم بدر ، وقتلت عمك يوم أحد ، وقتلت زوجك الآن! ولو كنت قاتل الأحبة كما تقولين لقتلت من في هذا البيت ومن في هذه الدار؟ وأقبل علي على عائشة فقال : ألا تنحين كلابك هؤلاء عني ، أما أنني قد هممت أن أفتح باب هذا البيت فأقتل من فيه ، وباب هذا البيت فأقتل من فيه ، ولولا حبي للعافية لأخرجتهم الساعة فضربت أعناقهم صبرا ، قال : فسكتت عائشة وسكتت النسوة فلم تنطق واحدة منهن.
ثم أقبل على عائشة فجعل يوبخها ويقول : أمرك الله أن تقري في بيتك ، وتحتجبي بسترك ولا تبرحي ، فعصيته وخضت الدماء تقاتليني ظالمة وتحرضين علي الناس ، وبنا شرفك الله وشرف اباءك من قبلك وسماك أم المؤمنين وضرب عليك الحجاب ، قومي الآن فأرحلي واختفي في الموضع الذي خلفك فيه رسول الله (ص) إلى أن يأتيك فيه أجلك. ثم قام فخرج من عندها.
فلما كان من الغد بعث إليها ابنه الحسن ، فجاء فقال لها : يقول لك أمير المؤمنين ، أما والذي فلق الحبة وبرأ النسمة! لئن لم ترحلي الساعة لأبعثن عليك بما تعلمين وكان عائشة قد ضفرت قرنها الأيمن وهي تريد أن تضفر الأيسر فلما قال لها الحسن ذلك وثبت من ساعتها وقالت : رحلوني! فقالت لها امرأة من المهالبة : يا أم المؤمنين! جاءك عبد الله بن عباس فسمعناك وأنت تجاوبيه حتى علا صوتك ثم خرج من عندك وهو مغضب ، ثم جاءك الآن هذا الغلام برسالة أبيه فأقلقك ، وقد كان أبوه جاءك فلم نر منك هذا القلق والجزع!
فقالت عائشة ، إنما أقلقني لأنه ابن بنت رسول الله (ص) فمن أحب
Halaman 154