وازداد حبها له تدريجا، والآن أتيحت لها فرصة حقيقية - كما ظنت وهي تشم رائحتها بعد الحمام، تلك فرصة طيبة ارتعدت لها فرائصها، وأخذت تنشد من فرط الطرب:
ضمني إليك يا حبيبي حتى أفقد صوابي،
وقبلني حتى أغيب عن رشدي.
ضمني يا حبيبي، وترفق يا عزيزي؛
فالحب ممتع كالسوما.
كان أرغن العطور يتضوع بأنغام الروائح المختلفة المنعشة الممتعة - من السعتر والخزامي وحصا البان والريحان والآس وغيرها، وتعقب ذلك ألحان جريئة من مفاتيح الطيب والعنبر، ثم يعود الأرغن إلى نشر عبير الصندل والكافور والأرز والبرسيم المحصود من عهد قريب (ويتخلل ذلك بين الفينة والفينة نشاز طفيف من رائحة حلو الكلى، ونفحة خفيفة من روث الخنزير)، ثم يعود إلى العطور الخفيفة التي بدأت بها القطعة العطرية، وتلاشت نغمة السعتر الأخيرة، وأظهر الجميع استحسانهم، وأشعلت الأضواء، وفي أثناء عزف آلة الموسيقى المركبة بدأت تنحل لفافة الورق التي ارتسمت عليها الخطوط الصوتية، وامتلأ الجو الآن بالثالوث الصوتي الرخيم، الذي يتألف من الكمان القوي والكمان الأجوف العظيم والمزمار الطريف، وعزفت الموسيقى ثلاثين أو أربعين نغمة، وفي هذا الجو الموسيقي الآلي، أخذ صوت أرق من صوت الإنسان يتغنى، وكان الصوت يخرج من الحلق حينا، ومن الرأس حينا آخر، أجوف كالناي مرة، ومشبعا بالنغمات المؤتلفة الشائعة مرة أخرى، وهو يتدرج بغير عناء من نغمة جاسبارد فرستر المنخفضة، التي تقع على حافة الأنغام الموسيقية إلى النغمة العالية، التي ترتفع كثيرا عن أعلى «ج»، التي لم يتفوه بها بدقة ووضوح غير لوكربزيا آجوجاري وحدها مرة من بين المغنين جميعا في خلال العصور التاريخية كلها (وذلك في عام 1770 في أوبرا الدوق ببارسا، وقد دهش لها موزار دهشة كبرى).
واستقر الهمجي وليننا في مقعدين منتفخين بالهواء، يستنشقان ويسمعان، ثم جاء دور العيون والجلد.
وأطفئت أنوار البيت وظهرت في الظلام أحرف نارية بارزة، كأنها معلقة في الفضاء لا ترتكز على شيء، وقد كتبت هذه الأحرف بخط عريض «ثلاثة أسابيع بالطائرة، دار للصور المحسة المجسمة ذات الغناء الممتاز، والنطق الصناعي، والألوان، مصحوبة بأرغن العطور في آن واحد».
وهمست ليننا قائلة: «اقبض على هذه العقد المعدنية المتصلة بذراعي مقعدك، وإلا ما أحسست بالآثار الملموسة.»
وفعل الهمجي كما أمرت.
Halaman tidak diketahui