فهمسوا قائلين: «أليست مريعة؟ انظروا إلى أسنانها.»
وأطل فجأة من تحت السرير توءم وجهه كوجه الكلب، بين الحائط ومقعد جون، وبدأ يتطلع في وجه لندا الناعس.
ثم شرع يتكلم، قال: «إني أقول ...» غير أن عبارته انتهت بالصراخ قبل أن تتم، ذلك أن الهمجي قد قبض عليه من بنيقته، ورفعه بجلاء فوق المقعد، وضربه بقبضة يده ضربة حادة على أذنه، ودفعه بعيدا عنه وهو يصيح.
وهرولت لإنقاذه كبيرة الممرضات لما طرقت صيحاته مسمعها.
وسألت بحدة: «ماذا كنت تصنع به؟ إنني لا يرضيني أن تضرب الأطفال.»
فقال الهمجي بصوت يرتعد من شدة الغضب: «إذن فابعديهم عن هذا السرير، ماذا يصنع هؤلاء الأطفال الصغار الوقحون القذرون في هذا المكان؟ إنه أمر مشين!» «مشين؟ ماذا تعني؟ إنهم يكيفون على الموت.» ثم قالت وقد أنذرته بشراسة شديدة قائلة: واعلم أنك لو تدخلت في أمر تكييفهم بعد هذا، فسأرسل في طلب الحمالين؛ كي يقذفوا بك بعيدا عن هذا المكان.
ونهض الهمجي على قدميه وخطا نحوها خطوتين، وقد نمت حركاته وملامح وجهه على التهديد الشديد، فاضطرت الممرضة إلى أن تتراجع مرتاعة مذعورة، ولكنه كبح جماح نفسه بجهد عظيم، وعاد إلى مكانه وجلس إلى جوار السرير، دون أن ينبس ببنت شفة.
وقالت الممرضة، وقد اطمأنت ولكن بعدما اهتزت كرامتها وتزعزعت قليلا: «لقد أنذرتك فاحذر.» ولكنها - مع ذلك - أبعدت التوءمين الفضوليين وأشركتهم في لعبة «صيد المشبك»، التي قامت بتنظيمها إحدى زميلاتها في الجانب الآخر من الغرفة.
وقالت للممرضة الأخرى: «أسرعي الآن يا عزيزتي إلى تناول الفنجان المقرر من محلول الكافيين.» وبهذا الأمر مارست سلطتها فاستردت ثقتها وتحسن شعورها، ثم نادت: «والآن أيها الأطفال!»
وتحركت لندا في عسر شديد، وفتحت عينيها لحظة، ونظرت حولها نظرة غامضة، ثم استرسلت في النوم مرة أخرى، وحاول الهمجي جاهدا وهو جالس إلى جوارها - إنه يسترد حالته العقلية التي كان عليها منذ لحظات، وكرر لنفسه هذه العبارة: «أ، ب، ج، فيتامين ء.» كأن هذه الألفاظ تعويذة ترد الحياة إلى الموتى، ولكن التعويذة كانت عديمة الأثر، فقد أبت بتاتا أن تعود إلى ذاكرته الذكريات الجميلة، ولم يرد على خاطره غير ذكريات الغيرة والقبح والشقاء الكريهة الممقوتة. ذكر بوبي والدم يتقطر من كتفه الجريحة، ولندا وهي مستغرقة في نوم قبيح مرذول، والذباب يطن حول المسكال المسكوب فوق الأرض إلى جانب السرير، والأولاد ينادون تلك الأسماء وهي تمر ... كلا، كلا! فأغمض عينيه وهز رأسه منكرا هذه الذكريات بجهد شاق الكلمات «أ، ب، ج، فيتامين ء ...» لقد حاول أن يذكر تلك الأيام التي كان يجلس فيها على ركبتيها، وتطوقه بذراعيها وتغني له، وتردد الغناء، وتهزه ثم تهزه حتى ينام، وهي تردد هذه الأنشودة: «أ، ب، ج، فيتامين ء، فيتامين ء، فيتامين ء ...»
Halaman tidak diketahui