Dunia Empangan dan Sekatan
عالم السدود والقيود
Genre-genre
قلت: «يا سوء هذا التقريظ! أيسرقون واعظهم وهم في دار العقاب؟!»
قال: «لقد فعلوا جزاهم الله من أبناء عققة، وفعلوها في يوم تجلى فيه الأستاذ فاختلب القلوب وأبكى العيون، وأرسل يديه لهم ينكبون عليهما بالتقبيل ويوسعونه من التمسيح والتبجيل، وهو يحسب أنهم ينتصحون ولا يسرقون، وينتفعون بما يفعلون، فقد أشبعهم وعظا وهداية فأشبعوه اعترافا ورعاية.»
وذهب إلى حجرة المأمور وقد رضي عن نفسه وأحب أن يكافئها بعطسة أو عطستين من عطسات الإيمان والتشميت برحمة الله. فضرب يده في جيبه الواسع فإذا علبة السعوط ضائعة، وأسرع إلى مكان الساعة الذهبية الثمينة فإذا الساعة ضائعة! وكيس النقود أين هو؟ لا ريب أنه لن يبقى في الجيب إذا فارقته الصاحبتان الحميمتان! «وطارت بقايا الوعظ من رأس مولانا، وصاح بالمأمور يستغيث، فأكبر الرجل أن يصاب الأستاذ في كفالته بهذه الخسارة الفادحة؛ لأنها خسارة في وعظه وفي ماله، فجمع السجناء الموعوظين ولما يستقروا بالحجرات، وأقسم لهم لينكلن بالسارق شر تنكيل إذا هو اهتدى إليه ولا بد أن يهتدي إليه، فلينقذ نفسه من شاء السلامة ولا عقاب عليه.
فأما علبة السعوط فقد عادت فارغة؛ لأن «الشطار» أحرص من أن يفلتوا من أيديهم شيئا فيه رائحة الدخان.
وأما الساعة فقد عادت لأنها لا تنفع، وعاد معها كيس النقود؛ لأن النقود التي فيه أكبر من أن تبلع، وسئل السارقون: كيف تجترئون على الأستاذ وتستحلون ماله وعتاده وتزدرون وعظه وإرشاده؟ فقال خبيث منهم: ما اجترأنا عليه ولا سرقناه، وإنما هي بركة من مولانا نغتنمها ونتقرب بها إلى الله!»
قال الموظف الذي يقص علي ما رآه: تلك قصة الشيخ. فهل يلام إذا هو ضن بهذا المال المبارك وفرط في القبلات؟ وهل عليه جناح إذا هو أشفق من هذا الإفراط في اختلاس البركات؟! •••
ونحسب أننا نظلم السجناء إذا أحلنا الذنب كله في فشل المواعظ على رداءة طباعهم واستعصاء أدوائهم، فالواقع أن المواعظ على أحسن حالاتها لا تشفي غلتهم ولا تخاطبهم بما يناسبهم ولا تتحرى دخائلهم ومواقع التأثير والإقناع من طواياهم، والواقع أن إصلاح الأخلاق عسير في السجون، وهي على نظامها القامع الذي يفرض الكبت على الطبائع، ويشل وظائف الحياة في جسوم قوية ونفوس لا تقصد العفة لطهارة أو قداسة حتى يقال إنها تستفيد بالرياضة وعلاج الشهوة والإرادة.
وأشد من ذلك إيذاء لأخلاق السجناء أنهم يفقدون في السجن الدرس الوحيد الذي هم مفتقرون إليه.
فهم أناس منحرفون يجزيهم القانون بما يجزيهم به حين يعتدون ويسلبون؛ لأنهم يؤمنون بالعنف والقوة ولا يؤمنون بالحقوق وآداب الاجتماع، ويعتقدون أنهم في حرب مع المجتمع من غلب فيها ظفر ولا جناح عليه، فإذا استطاع أحدهم شيئا فعله ولم يحسب حسابا لما يجوز له وما لا يجوز.
فماذا يلقون في السجن من معاملة السجانين؟ يلقون من معظمهم ما يثبت في نفوسهم تلك العقيدة ويزيدهم إيمانا بأن الأمر قائم على العنف والغشم واعتداء من يستطيع العدوان ويأس الضعيف المغلوب من إنصاف ذوي السلطان، فيبطل درس الشريعة والأدب ويبقى درس الواقع الذي شبوا عليه من نشأتهم الأولى ووجدوا مصداقه في السجن ومباءة الإصلاح والتوبة، وكيف يراد منهم أن يعدلوا عن ذلك الدرس ويرتابوا في صدقه وهم لا يجدون إلا ما يؤيده ويزكيه!
Halaman tidak diketahui