Dunia Empangan dan Sekatan
عالم السدود والقيود
Genre-genre
وقد وقع اختياري عندما وصل إلي إعلان دعوة التحقيق على كتابين في التاريخ والأدب، وهما الطبعة الجديدة من مختصر تاريخ العالم للمصلح الإنجليزي «ه.ج.ولز»، وسيرة بيرون للكاتب الفرنسي «أندريه موروا» مترجمة إلى الإنجليزية ، فأفردتهما جانبا ووضعت علامات على الكتب الأخرى التي سأطلبها بعد الفراغ من هذين الكتابين.
ولم يكن اختيارا في الحقيقة ذلك الذي هداني إلى اختصاص تاريخ العالم وسيرة بيرون بالقراءة في أيام السجن الأولى، ولكن الكتابين كانا قد وصلا إلي في البريد الأخير فوجدت الفرصة سانحة للفراغ منهما في هذه العزلة المقسورة!
على أنني لو تعمدت الاختيار المناسب «لمقتضى الحال» كما يقولون لما اخترت غير كتابين من هذا الباب وعلى هذه الوتيرة، فليس أحب إلى الإنسان من أن يعوض حركة الجسم إذا فقدها بحركة الخيال، وليس أقرب إلى المعقول من أن يلتمس في عالم القراءة ما يعز عليه في عالم الواقع، وأي قراءة أليق بالسجين على هذا الاعتبار من تاريخ يصاحب به حركة الإنسانية بأسرها من بداية نشأتها ومن قبل نشأتها إلى يومها الحاضر؟ أو من سيرة رجل قضى حياته كلها جامحا بين رحلات الخيال ورحلات السياحة ورحلات الهوى والمغامرة؟
فقد أحسن القدر الاختيار لي فيما أرى! ومن قبل ذلك بأعوام أذكر أنني كنت أنتقي ما أقرأ وأنا مريض يائس من الشفاء، فكانت يدي تتجه إلى نوعين من الكتب بينهما مسافة بعيدة من الاختلاف في الموضوع والوجهة، وأعني بهما الكتب التي تغلب عليها النزعة الجسدية والمتع المادية والكتب التي فيها بحث عما وراء الطبيعة واستكناه لحقائق الأرواح وعالم الغيب، وما أشد الاختلاف بين الموضوعين! وما أبعد المسافة بين النوعين! ولكن الصلة التي تجمع بينهما أقرب الجمع بعد ذلك هي «التعويض» النفسي الذي يشتركان فيه، فكلاهما كفيل بتعويض المريض الذي يحس من نفسه أنه سيفقد الحياة، وإنما يعوضانه في عالم الخيال والتفكير؛ لأن حياته الواقعية تريه مقدار الحاجة إلى عالم الحس كما تريه مقدار الحاجة إلى عالم الروح. •••
على أنني لم ألبث أن عرفت أن للكتاب في السجن فائدة غير فائدة القراءة، وربما كانت فائدته الأخرى هي المقصودة في كثير من الأحيان عند كثير من المسجونين، ولا سيما المصاحف وكتب الدين على اختلاف الأديان.
أما هذه الفائدة الأخرى فهي الاستخارة! وهي أن يفتح القارئ الكتاب على الصفحة اليمنى ثم يعد سبعة أسطر ويقرأ ما يصادفه في السطر السابع، فإذا هو المصير الذي ينتظره و«القرعة» التي تصيبه بغير تدبير ولا مجاملة ولا مداراة، فإذا كان الكتاب مصحفا أو سفرا دينيا كائنا ما كان فذاك إذن أشبه بالوحي السماوي وصوت النذير من عند الله.
ولا أظن أحدا من القراء لم يسمع قائلا يقول في دهشة وغضب: «أتريد أن أغالط نفسي؟ ...» كأن مغالطة النفس أبعد الأشياء! وكأن الإنسان لا يغالطه إلا الآخرون ولا يغالط هو إلا الآخرين.
ولكن ساعة من ساعات الضيق الشديد أو الحزن الشديد أو اللهفة الشديدة لترين الإنسان - كل إنسان - أن المغالطة الكبرى إنما تكون من جانب النفس لا من جانب الخادعين بين الأصدقاء والأعداء، فهو يصدق الرجاء أو العزاء؛ لأنه يحتاج إلى تصديقه، لا لأنه يقيم البرهان عليه ويتبين الوقائع التي ترجحه وتقويه، والمقياس الوحيد لصدق العزاء في ساعة الضيق أنه ضروري لازم لا أنه صحيح معزز بالبرهان، ولهذا يغتبط المسجونون بالبشارة التي تأتي من الاستخارة كأنها خبر وثيق لا كذب فيه، بل يغتبطون بها؛ لأنها خبر لا يضير فيه الكذب ما دام يسر، ولا يفتقر إلى تمحيص الغد ما دام مقبولا في حينه.
وقد كان بعض المسجونين الذين يلقونني عند الحلاق ويرونني في غفلة من الحراس يحدثونني ببشائر «الاستخارة» والأحلام كأنهم يتحدثون «بالأسانيد» والبينات، فأشكر لهم مودتهم، ولا أحب أن أزعزع فيهم ركنا من أركان العزاء، وما أوهى أركان العزاء جميعا عند بني الإنسان!
كان باب الحجرة عندي مفتوحا للتنظيف في صباح يوم، فجاءني زميلي ودليلي وجاري السيد علي شاهين يحمل مصحفه ويعلمني هذه الفائدة الجديدة من فوائد الكتب بين جدران السجون، ومن المصادفات المدهشة أنه أخذ في الاستخارة لنفسه، وانفتحت له إحدى الصفحات اليمنى من سورة يوسف فقرأ في السطر السابع:
Halaman tidak diketahui