Dunia Iskandar Agung
عالم الإسكندر الأكبر
Genre-genre
غير أن الحاكم المقدوني لم يكن إلا إحدى الشخصيات الرئيسة، وفي غضون الجيلين التاليين حقق لاعب جديد في شرقي البحر المتوسط هيمنة تسببت في تغيير العلاقة بين مقدون واليونان وغلبة العداء عليها؛ فعلى الرغم من انسحاب الفرس من الأراضي الواقعة غرب بحر إيجة وشماله، ظلت الدول الإغريقية شمالي بحر إيجة تحت السيطرة الفارسية سنة 479. ولاستعادة حرية اليونان كلها، اجتمع ممثلون من 143 دولة في جزيرة ديلوس في أرخبيل كيكلادس سنة 477 لإنشاء حلف لهذا الغرض سيشارك جميع أعضائه في قراراته، أثناء جمعية سنوية تتمتع فيها كل دولة بصوت واحد. وستساهم الدول في هذا المشروع بتوفير السفن والرجال، أو بتقديم الأموال عوضا عن القوة البشرية والدعم البحري. وفرت أثينا جزءا كبيرا من الأسطول الذي أنشأته للتصدي للتهديد الفارسي، وتولت منصب الزعيم أو القائد الأعلى للعمليات التي يقررها الأعضاء بكامل هيئتهم. حدد الأثينيون أيضا المساهمات المطلوبة وعينوا مراقبين ماليين للإشراف على الخزانة التي أنشئت في حرم أبولو الآمن في ديلوس.
كانت أحلاف أكبر تضم الدول الإغريقية المستقلة قد سبقت هذا الحلف، وكانت في جوهرها تنتمي إلى صنفين عامين، فهي إما أحلاف لأغراض دينية مشتركة وإما أحلاف لمصالح عسكرية مشتركة. تمخض الاهتمام المشترك بصون حرم أبولو في دلفي عن قيام الحلف الأمفكتيوني الدلفي المؤلف من 12 دولة-مدينة. وكان الصنف الثاني من الأحلاف - وهو أحلاف الهجوم والدفاع المشترك - يجمع بين دول مستقلة توافق على أن تصادق من يصادق بقية أعضاء الحلف وتعادي من يعادون، وكان ممثلو الدول الأعضاء يجتمعون في مكان ثابت، وهو عموما أقوى دولة عضو، للتصويت على ما يلزم القيام به من أعمال. ونما الحلف البيلوبونيزي، الذي كانت إسبرطة القوة المحورية فيه، ليشمل معظم دول شبه جزيرة بيلوبونيز، بل اتسع أيضا في القرن الخامس متجاوزا ذلك إلى وسط اليونان. وينم مثل هذا التوسع عن طفرة متزايدة في قيام أحلاف أكبر ذات طموحات أكبر، وهذه الطموحات هي التي تبين أنها تشكل تهديدا أشد خطرا بكثير للمملكة المقدونية مما كانت تشكله المستعمرات الإغريقية فرادى قبل ذلك . وكان دور أثينا في تشكيل طبيعة الحلف الديلوسي ثم تحويرها من أهم شواغل الأرغيين.
حققت جهود الحلف نجاحا مدهشا، وبحلول أوائل ستينيات القرن الخامس انتصر أسطول الحلفاء في معركة بحرية كبرى في يوريميدون قبالة ساحل الأناضول الجنوبي؛ حيث ألحق هزيمة بالأسطول الفارسي/الفينيقي المؤلف من 200 سفينة. كانت السيطرة الفارسية في تراقيا ومضيق الهلسبونت وبحر إيجة قد بلغت نهايتها، غير أن الحلف لم يحل على الرغم من محاولة دول عديدة الانسحاب منه حالما تحقق هدفه. كان الحلف في نظر أثينا ثمينا من نواح أخرى عديدة، كخفارة البحار ضد القراصنة، وإعادة بناء المعابد التي دمرها الفرس، والاحتفاظ باتحاد كونفيدرالي تحسبا لأي عداءات مستقبلية مع بلاد فارس، وإقامة إمبراطورية تجارية بحرية في عموم بحر إيجة وعبر الهلسبونت. وابتداء من ستينيات القرن الخامس، وخصوصا تحت قيادة رجل الدولة الأثيني القائد بيريكليس، صار الحلف الديلوسي إمبراطورية أثينية متمحورة حول أثينا وتدار انطلاقا منها. ويسمى تأثير الحياة الأثينية وبريقها في ذلك الزمان عصرها الذهبي.
اتسعت عضوية الحلف، التي لم تعد طوعية وباتت تصان بالقوة، حتى بلغت نحو 300 دولة. ازدادت المصالح الأثينية في شمال بحر إيجة، التي سبق أن أسست في القرن السادس، مع اكتساب الوصول إلى بحر بروبونتيس والبحر الأسود أهمية حيوية لتأمين إمدادات الحبوب اللازمة لإطعام سكان الدولة الحضريين الذين صار عددهم آنذاك هائلا. كان الوصول إلى تلك المياه القاصية يتطلب أسطولا كبيرا من السفن المتينة؛ ومن ثم استمرار إمكانية الحصول على موارد الخشب المقدونية. وهكذا كان الحضور القوي في شمال بحر إيجة من أولويات أثينا، وتحقق ذلك باستقطاب بعض الدول العريقة إلى الشبكة الإمبريالية، وكذلك بإقامة مستعمرات جديدة مثل أمفيبوليس في وادي نهر سترايمون الأدنى، بالقرب من موقع «الطرق التسع» الذي سبق أن أخضعه الإسكندر الأول للسيطرة المقدونية. وكان كل من أمفيبوليس و«الطرق التسع» يحتل موضعا مثاليا للاستفادة من التجارة أدنى نهر سترايمون وبمحاذاة الساحل بين شمال اليونان والهلسبونت. وعلى ما يبدو، كانت ثمة تسوية توافقية بين أثينا وملك مقدونيا أثناء حكم الإسكندر الأول. لكن التنافس على البقاء كان محتملا، ولم تسر الأمور على ما يرام مع بيرديكاس خليفة الإسكندر؛ فعزوف أثينا عن استقطاب أعضاء جدد إلى الحلف في الأرض الواقعة غرب أكسيوس أفسح المجال لتوسع نشط في الأراضي المقدونية بعد 431.
لكن تكتيكا مختلفا استخدم ضد بيرديكاس؛ إذ أيد الأثينيون ادعاء أحد إخوته، وهو فيليب، أحقيته في وراثة العرش. وفي 432، استولى ائتلاف بين أثينا وأخي بيرديكاس ودرداس ملك إيليميا على موقع ثيرما في شمال غرب خالكيذيكي من بيرديكاس. كان المرجو أن يؤدي نزاع داخلي، بالإضافة إلى وجود تهديد قريب من بيلا، إلى إبقاء أعين بيرديكاس مصوبة نحو مملكته وإلهائه عن أنشطة الأثينيين على أطراف تلك المملكة.
كان أمام بيرديكاس ملاذ يلوذ به؛ إذ لما كان على دراية بالانقسامات بين الدول الإغريقية، شجع من هم معروفون بعدائهم للأنشطة الأثينية في شمال بحر إيجة على القيام بعمل بالأصالة عن أنفسهم أو بالنيابة عن المستعمرات السابقة. رد الكورنثيون على التهديد الأثيني لمستعمرتهم بوتيديا بمتطوعين من كورنثة ومرتزقة من أجزاء أخرى من شبه جزيرة بيلوبونيز، قوامهم 1600 فرد مشاة ثقيلة و400 جندي خفيف كما روى ثوكيديدس (الكتاب الأول، 60)، وأضاف بيرديكاس 200 فارس، وانضم إلى القوة رجال من دول أخرى أيضا. إن الدور الذي لعبته هزيمة هذه القوات في الأحداث التي جرت في مقدون على مدى ما تبقى من القرن الخامس ليس بالضئيل؛ ففي رواية ثوكيديدس عن نشوب الحرب البيلوبونيزية (431-404)، كان حنق الكورنثيين على تلك الأحداث، بما فيها حصار الأثينيين بوتيديا، عود الثقاب الذي أوقد إعلان الحرب، فمزق هذا الصراع مقدون على الرغم من عدم مشاركتها رسميا فيه.
لم ينجح فيليب والأثينيون المتواطئون معه في إطاحة أخيه بيرديكاس، الذي ظل يحكم حتى 413، لكن من المستبعد أنها كانت فترة حكم مريحة؛ لأن مملكته كانت في أغلب الأحوال محاطة بدول متحاربة، ما جعل مقدون تتحالف في البداية مع أحد الجانبين وفيما بعد مع الجانب الآخر. ففي مرحلة مبكرة من الحرب البيلوبونيزية، كانت مقدون حليفا لأثينا، لكن عندما ضمت أثينا ميثوني (وكانت داخل الأراضي المقدونية) إلى إمبراطوريتها، استنجد بيرديكاس بالإسبرطيين، فعرض عليهم الدعم ونظم لقوة إسبرطية مرورا آمنا للزحف عبر أرض مملكته، وبمجرد أن وصل الإسبرطيون إلى هناك، أمدهم بيرديكاس بفرقة مقدونية، وزحفت القوة المشتركة لإجبار الزعيم اللنكستي على إعادة إقليمه مقدونيا العليا إلى التحالف مع بيرديكاس. لم يتحقق الشيء الكثير قبل أن يعزم القائد الإسبرطي أمره على شن حملة ضد خالكيذيكي وتراقيا، وكلتاهما منطقة تربطها صلات قوية بالأثينيين، فانتقل إليهما آنذاك مسرح الحرب. لاقت الأنشطة الإسبرطية نجاحا عظيما في شمال بحر إيجة، وعندما عاد الإسبرطيون إلى مقدونيا، جرت محاولة ثانية لتأديب اللنكستيين، فدحر الجيش المشترك على أيدي الإليريين، الذين كان اللنكستيون قد تحالفوا معهم. ولا نستغرب أن التحالف انهار بحلول سنة 423، فتحالف بيرديكاس من جديد مع الأثينيين؛ إذ قدم الدعم العسكري لقائد أثيني سنة 422. والحقيقة أن نيكولاس هاموند قال إن «مقدون كانت آنذاك من كل النواحي العملية عضوا في الإمبراطورية الأثينية» (هاموند وجريفيث، 1979: 133)؛ ففي الفترة من حوالي 424 إلى 416 لم يضرب بيرديكاس نقودا، وهذه من سمات الدول التي كانت ذات يوم مستقلة وأخضعت للسيطرة الأثينية.
تمخضت معاهدة سلام أبرمت بين الأثينيين والإسبرطيين سنة 421 عن استراحة من الحملات العسكرية، وإن لم تحل القضايا التي تسببت في إعلان الحرب. ومع احتدام تلك القضايا من جديد، وجهت الأطراف الإغريقية في الحرب أنظارها من جديد صوب الشمال، فأضافت أثينا المزيد من الدول إلى سيطرتها، وحاول البيلوبونيزيون استقطاب المزيد من الحلفاء إلى صفهم، وأقنع بيرديكاس بالانضمام إلى صفوف البيلوبونيزيين؛ فكان فرض الحصار على الساحل المقدوني لعرقلة التجارة أحد الردود الأثينية على خيانة الملك المقدوني. وجاء رد آخر في البحث في أماكن أخرى عن الموارد المهمة وتحويل انتباه البيلوبونيزيين عن بحر إيجة؛ فانطلقت حملة بحرية كبيرة إلى صقلية سنة 415، وهو مشروع جدد الآصرة بين مقدون وأثينا؛ إذ عاد المقدونيون إلى إمداد أثينا بالخشب عندما بدأ الفرس يعاونون إسبرطة في إنشاء قوة بحرية. علاوة على ذلك، كان بيرديكاس سنة 414 يخدم مع قائد أثيني في هجوم على أمفيبوليس. وبعد أن توفي في السنة التالية ورث ابنه أرخيلاوس أعباء ثقيلة منها الحفاظ على استقلال مملكة موحدة، والتعامل مع الحرب الدائرة بين الدول الإغريقية.
شاء القدر أن تتفادى مقدون التورط بعمق أثناء ما تبقى من تلك الحرب. ربما كان استحضار أرخيلاوس الفوضى التي سادت إبان حكم أبيه هو الذي ألهمه تحصين حدود مملكته وربط مختلف أجزائها بشبكة طرق. أما على الصعيد الخارجي فكادت صلته باليونان تقتصر على أثينا؛ فكما سبق أن ذكرنا، ففي سنة 410 تم الاستيلاء على بلدة بدنا الساحلية بحصار مقدوني وأثيني مشترك، ثم نقلت المستوطنة إلى الداخل وأعيد تأسيسها كبلدة مقدونية، وبعد ذلك بثلاث سنوات منح أرخيلاوس وأولاده وضعية الضيوف-الأصدقاء لأثينا، وهو وضع شرفي لكنه يسبغ على صاحبه منزلة تشبه منزلة السفير. كان التأثير الأثيني يتجلى أيضا في اهتمامات أرخيلاوس الثقافية؛ إذ صارت بيلا تحت إشرافه عاصمة تثير الإعجاب يدعى إليها ضيوف مهمون. لكن من التطورات الأخرى الجديرة بالاهتمام تأسيس مهرجان أوليمبي في مقدونيا.
لم يكن هذا التشجيع للثقافة الإغريقية وتقديم العون لأفراد من الإغريق بالشيء الجديد، ففي زمن مبكر يعود إلى منتصف القرن السادس، استقر الطاغية الأثيني بيسيستراتوس في المنطقة الشمالية الغربية من خالكيذيكي أثناء إحدى فترات نفيه القسري عن أثينا، واكتسب أثناء وجوده هناك صداقة مقدونيا، وعرض على ابنه وخليفته هيبياس مأوى في مقدونيا عندما نفي من أثينا (هيرودوت، الكتاب الخامس، 96). وتصف روايات هيرودوت عن الإسكندر الأول في «تاريخ هيرودوت» انجذابا مماثلا إلى أثينا؛ إذ يروي المؤرخ أن الإسكندر رغب في التنافس في الألعاب الأوليمبية، وسمح له بالمشاركة في سباق العدو. ويختتم هيرودوت ملحوظته المقتضبة بقوله «حصل على المركز الأول مناصفة» (الكتاب الخامس، 22). على الرغم من تشكيك كثير من الباحثين المحدثين في دقة الرواية، فلا خلاف على أن فيليب الثاني أرسل فرقا مقدونية إلى أوليمبيا أثناء حكمه. ربما برع الإسكندر الأول شأنه شأن فيليب في إظهار تعاطفه الهيليني وانجذابه المزعوم ، وخصوصا في أعقاب فظائع الزحف الفارسي في مملكته وفي أراضي الدول الإغريقية. وكما سنرى فإن محبة الإغريق كانت أداة مفيدة لكل من فيليب الثاني والإسكندر الثالث.
Halaman tidak diketahui