Dunia Iskandar Agung
عالم الإسكندر الأكبر
Genre-genre
كان خط بحر إيجة الساحلي الشمالي من أولى المناطق التي لفتت الانتباه، كما توجد محطة تجارية تعود إلى القرن التاسع اكتشفت في سيندوس وترتبط بإريتريا في جزيرة وابية. كانت الرغبة في الأرض، مقرونة بالبراعة في استغلال الفرص التجارية، قوية في تلك الجزيرة الضيقة. وفي القرن الثامن أسس الإريتريون مستوطنات في لسان شبه جزيرة خالكيذيكي الغربي، وأما جيرانهم في جزيرة وابية، وهم سكان خالكيذا، فكانوا منهمكين في إنشاء مستعمرات في لسانها الأوسط، وكان آخرون من جزيرة أندروس يستطلعون بحثا عن مواقع في شرقي شبه الجزيرة. وأبعد من ذلك في اتجاه الشرق، كان سكان جزيرة ثاسوس يعكفون على إنشاء مستوطنات جديدة لأنفسهم على ساحل البر الرئيس؛ ومن ثم كانت مياه بحر إيجة الشمالية آخذة في التحول إلى بحر إغريقي بالتزامن مع عمل المكدونيين على إنشاء مملكة لهم.
خرجت من رحم هذا التعايش ثلاث نتائج مهمة، والنتيجة الأهم هي معرفة كل واحد بثقافة الآخر. لم يكن بوسع المقدونيين تجاهل ميثوني ثم بدنا، الواقعتين في قلب مقدونيا، أو في النهاية المستوطنات الأبعد قليلا، ومع المعرفة ازداد احتمال التأثير الثقافي. في البداية كانت المستوطنات الإغريقية تمتاز بمزايا معينة، كالمعرفة بالسفر بحرا على سبيل المثال والاتصال بالثقافات القاصية التي كانت أكثر تقدما بكثير من الإغريق، وتيسر اكتساب هذه المهارات وغيرها بفعل العلاقة الوثيقة. علاوة على ذلك، كان الصراع على أراضي شمال بحر إيجة وموارده شيئا متوقعا. وقد اختيرت مواقع المستعمرات الإغريقية لكي تستغل المرافئ الجيدة لتيسير التبادل التجاري. ومع تحول المقدونيين أنفسهم إلى تجار أكثر نشاطا صار من المؤكد نشوب نزاعات من أجل السيطرة على المرافئ. وهناك نتيجة ثالثة ارتبطت بأصول المستعمرات باعتبار أنها تأسست على أيدي الدول الإغريقية الجنوبية العريقة. وهكذا كان الصراع مع دول-مدن جنوب اليونان ممكنا، وسيجر توقع حدوثه أرجل العالم الإيجي الأكبر على الأرجح.
التفاعل بين هاتين المستعمرتين؛ الإريتريين والأرغيين، مقياس لتأرجح السلطة بين اليونان ومقدونيا؛ فكلتا المستعمرتين كانت مركزا استيطانيا إغريقيا أثناء عهدي أمينتاس الأول والإسكندر الأول، لكن انفصالهما عن جنوب اليونان جعل منهما ملجأين مفيدين للقادة الإغريق الذين فقدوا الحظوة لدى مواطني دولهم؛ إذ منح الإسكندر الأول القائد الأثيني ثيميستوكليس حق اللجوء في بدنا في ستينيات القرن الخامس؛ مما يدل على الإشراف المقدوني على الدولة الإغريقية. لكن بحلول ثلاثينيات القرن الخامس، كانت السيطرة على بدنا قد انتقلت إلى أثينا، وبعد ذلك بنحو خمس عشرة سنة، نزلت قوة أثينية عند ميثوني وانطلقت منها للإغارة على الأراضي المقدونية المحيطة. وفي انعكاس آخر للأوضاع، شهدت سنة 410 استيلاء قوة أثينية متحالفة مع الملك المقدوني أرخيلاوس على بدنا التي سبق أن نالت استقلالها؛ إذ أعاد أرخيلاوس تأسيس بدنا كبلدة مقدونية تبعد عن الساحل بمسافة 2,5 ميل (4 كيلومترات). تبخرت المكاسب المقدونية خلال مختلف عقود التاريخ المقدوني من 399 إلى 395؛ فشرع فيليب الثاني في إعادة توطيد دعائم المملكة بالاستيلاء على بدنا سنة 357 وميثوني سنة 354، محولا بعد ذلك اهتمامه إلى الدول الإغريقية في المنطقة الغربية من شبه جزيرة خالكيذيكي.
قادت ضغوط مماثلة على الأرض وفرص التجارة الإغريق في اتجاهات أخرى؛ فمن كورنثة، التي تناقصت فيها الأرض الزراعية المتاحة وكان يوجد على بوابتها الأمامية خليج يمكن التحكم فيه، أبحر المستعمرون في خليج كورنثة ثم اتجهوا شمالا بمحاذاة الساحل الأدرياتي؛ حيث أسسوا مستوطنات طويلة الأمد في جزيرة كوركيرا وفي أبولونيا وإبيداموس على ساحل البر الرئيس بالقرب من أراضي الإليريين والإبيروسيين. بدأ تفاعل ثقافي لا يختلف عما كان يحدث في شمال غرب بحر إيجة في شمال شرق البحر الأدرياتي قبل زمن طويل من ضم إليريا وإبيروس إلى المملكة المقدونية الموسعة.
كان التأثير الإغريقي على مقدونيا أقرب كثيرا، فسلسلة جبال الأوليمب تفصل مقدونيا عن المحيط الإغريقي الجنوبي لكنها لا تمنع الوصول من الجنوب إلى الشمال. وحتى أثناء العصر البرونزي كانت تجلب إلى مقدونيا منتجات ميسينية؛ مما يشهد على التبادل التجاري والاتصال، إن لم يكن الاستيطان، كما هو الحال في موقع «سباتيس» على ممر بترا. وفيما يخص العصر الحديدي، تمخضت آيجي/فيرجينا المقدونية، المشهورة بمدافنها المترفة التي جاءت فيما بعد، عن شواهد على الاتصال بالعالم الإغريقي في زمن مبكر تعود بدايته إلى القرنين العاشر والتاسع، ربما عبر تيساليا ثانية. تمخض القرب الجغرافي عما هو أكثر من التفاعل الثقافي؛ إذ أسفر مثلا عن تحالفات كالتي شهدتها ثمانينيات القرن الرابع عندما كان العون التيسالي شديد الأهمية في جهود أمينتاس الثالث لاستعادة ملك مقدونيا. وكان يمكن لهذا القرب - بل حدث فعلا - أن أثار محاولات متبادلة من كلا جانبي جبال الأوليمب للهيمنة على أرض الإقليم الأضعف آنذاك أيا كان.
تساعد الجغرافيا أيضا على تفسير العلاقة بين مقدونيا واليونان في العقود الأولى من القرن الخامس، الذي صارت فيه مقدون لاعبا، ربما على غير رغبة منها، في توسع الإمبراطورية الفارسية؛ فأثناء حكم داريوس الأول (522-486)، وجه الفرس أنظارهم شمالا إلى أوروبا. وفي حوالي سنة 513، قاد داريوس جيشا عبر تراقيا؛ حيث دان له كثير من الناس؛ لكن لدى عبوره نهر الدانوب إلى أراضي سكيثيا، لم يلق نجاحا واضطر إلى أن يعود أدراجه عبر تراقيا . وبعد هذه الحملة بزمن ليس بطويل، عين ميجابازوس لإخضاع الخط الساحلي شمال بحر إيجة من بحر بروبونتيس إلى نهر سترايمون. ويروي هيرودوت خبر وفد مكون من سبعة من أكابر الفرس أرسلوا لمناقشة العلاقة بين مقدون وبلاد فارس؛ فخدع الإسكندر الأول، ابن أمينتاس الأول الحاذق، الرسل بأن أوعز إلى شابات مقدونيات - لم يكن في الحقيقة إلا ذكورا مقدونيين مردا مسلحين ويضعون خمرا ثقيلة - فلاطفن الفرس ثم قتلنهم. «تلك كانت نهاية الرسل الفرس إلى مقدون، ونهاية خدمهم أيضا؛ إذ اختفى الخدم والعربات وقدر عظيم من الأمتعة الفخمة، اختفت كلها معا» (الكتاب الخامس، 20). يصف هيرودوت أيضا الحرص في التستر على اختفاء الفرس ومقتنياتهم، بالإضافة إلى دفع مبلغ من المال إلى الفرس، وترتيب زواج أخت الإسكندر بالضابط الفارسي الذي كان يحقق في المسألة. على الرغم من أن مقدون على ما يبدو لم تضم رسميا إلى الدولة الفارسية، فإنها جرت إلى مجال رؤية داريوس.
وثقت الأحداث الجارية في المنطقة الساحلية شرق بحر إيجة الصلة بين الفرس ومقدونيا. قامت ثورة خطيرة سنة 499 في الجزء الذي سبق أن أخضعه الفرس من الدول الإغريقية في أربعينيات القرن السادس، وظل منذ ذلك الحين تحت سيطرة أحد مرازبة النظام الإداري الفارسي. كانت المفاجأة، أو ربما الغفلة، شديدة في الجانب الفارسي لدرجة أن تم الاستيلاء على العاصمة الفارسية في الأناضول سارديس، وإحراقها على أيدي ائتلاف من الدول الإغريقية في آسيا الصغرى الأيونية، بعون من دولتي أثينا وإريتريا الواقعتين في البر الرئيس. لكن في غضون خمس سنوات قمعت الثورة. لفتت محصلة ذلك انتباه الفرس من جديد إلى شمال بحر إيجة، فأكد القائد الفارسي ماردونيوس السيطرة على تراقيا ومقدونيا سنة 492 تمهيدا للانتقام من الدولتين الواقعتين في البر الرئيس، اللتين أمدتا الثورة في آسيا الصغرى بالسفن والجنود. كانت مقدونيا نقطة انطلاق مفيدة، كما بين هيرودوت في وصفه الحملة الضخمة المتأخرة التي خطط لها وقادها أحشويرش، ابن داريوس وخليفته؛ فأنشئت مخازن للحبوب في كل من تراقيا ومقدونيا، وعسكر الجيش الجرار المؤلف من نحو 250 ألف رجل بمحاذاة نهر أكسيوس بالقرب من سيندوس، ورسا الأسطول على ما يبدو في بدنا. وحتى لو لم يكن الملك المقدوني رسميا تابعا للإمبراطورية الفارسية، فلم يكن أمامه خيار في مسألة استخدام الفرس مملكته أثناء تجريد الحملة البرية والبحرية على اليونان سنة 480-479. وأما على الجانب الإغريقي فمن الجائز تماما أن الإغريق كانوا ينظرون إلى المقدونيين كمتواطئين عن رضا مع الفرس المرعبين.
ومع ذلك، فإن تصوير هيرودوت الإسكندر الأول كمتعاطف مع الإغريق (الكتاب الثامن، 140-143) ربما يجد دليلا ماديا يعضده في إمداده الأثينيين بالخشب قبل ذلك بسنتين أو ثلاث، لإنشاء أسطول قوامه 200 سفينة برهن على أهميته البالغة لتصدي الإغريق للجيش الفارسي. وتسجل النقوش التي تعود إلى عهدي بيرديكاس الثاني وأرخيلاوس اتفاقيات أبرمت فيما بعد بخصوص حصول الأثينيين على الخشب المقدوني. وكما رأينا فإن الخشب، الذي وصف بأنه الأعلى جودة في منطقة بحر إيجة والبحر الأسود، كان من بين موارد مقدونيا الأشد رواجا. كان الوصول إلى هذا المصدر من مصادر الخشب حيويا لأي دولة تريد امتلاك أسطول، وكان قرار الأثينيين في ظل تهيؤ بلاد فارس لشن هجوم عليهم هو إنشاء أسطول لمواجهة الشق البحري من القوة الفارسية، وهو ما كان يتطلب الحصول على الخشب المقدوني.
مع انسحاب الفرس من اليونان ومقدونيا، وارتباك الأوضاع في جنوب اليونان الذي تسبب فيه الغزو، تمكن الملك الإسكندر الأول المقدوني من توسيع حدود مملكته كثيرا كما سبق أن نوهنا في الفصل الثاني، وينسب إليه الفضل أيضا في تقوية الجيش المقدوني، الذي كان أداة لا غنى عنها في التوسع. اكتسب الإسكندر، بتوغله شرقا ضد التراقيين، ثروة معدنية قيمة استعمل بعضها آنذاك في ضرب النقود المقدونية. وفي هذه النقود الجيدة الصنعة، التي كان بعضها بحجم كبير، مؤشرات جيدة على المكانة التي بدأ الأرغيون يحققونها لا في المحيط الأصغر وهو شمال بحر إيجة فحسب، بل في مواجهة دول وممالك أخرى ذات شأن أبعد مسافة.
شكل 4-1: عملة نقدية تظهر الإسكندر الأول ممتطيا فرسا يخب، ومرتديا عباءة قصيرة، وعلى رأسه قبعة مجنحة، وحاملا رمحين في يده اليسرى، ويتبختر تحت الفرس كلب صيده. الآن في متحف العملات في أثينا. بإذن من د. آي توراتستوجلو .
Halaman tidak diketahui