Dunia Iskandar Agung
عالم الإسكندر الأكبر
Genre-genre
إن نجاح يوريديكا في التعامل مع الشئون السياسية العائلية والنجاة من مكائدها كشف عن دهائها في الحفاظ على نفوذها، وأيضا حياتها، بعد موت أمينتاس الثالث. والحقيقة أنها عاشت بعده عشرين سنة أخرى أو أكثر، وهي سنوات تطلبت منها يقظة مستمرة حفاظا على حياتها وحياة أبنائها الثلاثة، الذين قتل أكبرهم، وهو الإسكندر الثاني، بعد ولايته الحكم لمدة سنتين أو نحو ذلك. من الجائز أنه قتل على يد رجل يدعى بطليموس ربما كان ابن أمينتاس الثاني، الذي حكم لفترة وجيزة في 395-394. ولأسباب غير واضحة - لعلها تكون الضرورة - تحالفت يوريديكا سياسيا وغراميا مع بطليموس، الذي ربما شغل منصب الوصي على عرش ابنها الثاني بيرديكاس لدى إعلانه ملكا سنة 365. وفي غضون سنة، قرر بيرديكاس أن يحكم البلاد حكما مباشرا فقتل بطليموس، ثم قتل هو نفسه في معركة مع الإليريين بعد ذلك بخمس سنوات؛ عندئذ صار المطالبون بالعرش المقدوني هم: أمينتاس الرابع ابن بيرديكاس الصغير، وفيليب الثاني أخا بيرديكاس، وابنا أمينتاس الثاني المتبقيان على قيد الحياة من زوجته جايجيا، ومنافسون عديدون من فروع العائلة الأرغية الأخرى. وعاشت يوريديكا حتى عهد ابنها الثالث فيليب الثاني.
إن مجرد بقاء فيليب على قيد الحياة لكي يتنافس على العرش في حد ذاته يعتبر إنجازا. كان أخواه الشقيقان قد قتلا، وصار آنذاك بمقدور إخوته الثلاثة غير الأشقاء أن يطالبوا بالعرش خلفا لأبيهم. وفضلا عن التهديدات النابعة من المطالبين الآخرين بالعرش، ربما لم يكن ليستطيع النجاة مما تعرض له في سنوات صباه؛ إذ تعرض للخطر في سنوات استبقائه كرهينة ملكية في طيبة بين عامي 369 و367، وبعد إرساله لتولي منصب في مكان بعيد عن بيلا كان يمكن أن يودي بحياته، خصوصا أن وجوده هناك كان يهدف إلى ضمان ولاء منطقة إيليميا، التي كانت لا تزال مصرة على الاستقلال عن السيطرة المقدونية. لكن كما يتبين من الأحداث، من الجائز تماما أن إبعاد فيليب عن بيلا أعفاه من الانضمام إلى أخيه بيرديكاس عندما قاد الجيش المقدوني ضد الجيش الإليري سنة 359.
نجا فيليب من هذه المجموعة المتشابكة من التهديدات؛ إذ رأى اثنان من إخوته غير الأشقاء أن من الحكمة الرحيل عن مقدونيا، وعمد إلى القضاء على المطالبين الآخرين بالعرش من فروع السلالة الأرغية الأخرى، لكنه ترك ابن أخيه يعيش. نادت جمعية الجيش بفيليب وصيا على عرش ابن أخيه الصغير أو ملكا بالطريقة التقليدية. لم يكن أمامه وقت للقضاء على جميع منافسيه على السلطة لوجود خطر آخر أشد من هؤلاء وهو الإليريون، الذين قد يستغلون ميزتهم بالعودة إلى اجتياح الأراضي المقدونية. لكن الغريب أنهم لم يقوموا بمحاولة ضد هذه المملكة الهشة.
يتضح ضعف فيليب وجيشه في تعاملاته الأولى مع الإليريين، فهو لم يقد جيشا ضدهم، وهذا منطقي بالنظر إلى شدة ضعف الجيش المقدوني، بل آثر التفاوض على تسوية مؤقتة، وسيرا على خطى أبيه غير المسبوقة، اتخذ زوجة إليرية تسمى أوداتا لتوطيد هذا التحالف، وربما تزوج قبل ذلك بفيلا ابنة حاكم إيليميا لترسيخ اتحاد إيليميا مع مقدونيا الكبرى. في نهاية المطاف أقام فيليب سبعة تحالفات وطدها بالزواج، وسنعود إلى الوضع الذي تمخضت عنه هذه الزيجات المتعددة عند تمحيص دور أوليمبياس أم الإسكندر في موضع لاحق من هذا الفصل. من المهم أن ننوه في هذه المرحلة إلى أن العامل الأهم في كل حالة كان دبلوماسيا؛ إذ أقام فيليب تحالفات أو عززها مع أسر مهمة في أجزاء أخرى من مقدونيا، ومع زعماء الممالك أو الدول المنافسة، ومع فرع آخر من فروع السلالة الأرغية. وربما لعب الغرام الحقيقي دورا في بعض الأمثلة، لكنه لم يكن الدافع الأولي.
شكل 3-5: رأس عاجي من زينة حامل التابوت المطعم بالذهب والعاج في الغرفة الرئيسة بالمدفن الملكي الثاني في فيرجينا، ويعتقد أنه رأس فيليب الثاني. بإذن من السيدة أوليمبيا أندرونيكو-كاكوليدو.
كان كثير من التهديدات التقليدية يلوح منذرا بالخطر؛ فالمطالبون بالعرش ظلوا موجودين؛ إذ عاود أرغايوس - ولعله الشخص الذي خلف أمينتاس الثالث على العرش لفترة وجيزة في ثمانينيات ذلك القرن - الظهور بمساندة من أثينا لاستعادة العرش، فتعامل فيليب مع هذا المدعي وجيشه دون صعوبة. كانت أقاليم مقدونيا العليا مهيأة دائما للانفجار، زد على ذلك ضغوط التراقيين في الشرق والبيونيين في الشمال والدول الإغريقية على حدود مقدونيا ذاتها، وكذلك الدول-المدن القوية الأبعد شقة، وخصوصا أثينا وطيبة. تمخضت المفاوضات المقرونة بالهدايا النقدية عن تسويات مع البيونيين والتراقيين، وأبرمت معاهدة مع أثينا سنة 359، وعقد زواج بامرأة تيسالية على الراجح سنة 358. وشهدت تلك السنة ذاتها استخدام القوة بنجاح ضد البيونيين ومن بعدهم الإليريون. كان هذا المزيج من الدبلوماسية والقوة النمط الذي وسم بقية عهد فيليب.
يوجد من الشواهد ما يكفي لأن نستعرض سنوات حكم فيليب الثلاثة والعشرين بالتفصيل؛ إذ تظهر خارطة لحدود المملكة سنة 336 بوضوح انخراط مقدونيا في جميع الاتجاهات. لكن لرسم صورة أعم، سنتتبع علاقات فيليب وهي تتسع من التعاملات مع الشعوب المجاورة إلى أعداء بعيدين كدولة فارس الأخمينية، لكي نميز الطبيعة العامة لمهام فيليب ومسوغات نجاحه أخيرا في إقامة مملكة واسعة مهيبة. من المهم أن ننوه إلى ضرورة أن يكون الجيش المقدوني ناشطا في اتجاهات عديدة في آن واحد للتعامل مع أعداء لم يكونوا مجرد أعداء خطرين في حد ذاتهم، بل كان دأبهم إقامة تحالفات فيما بينهم ضد مقدونيا.
ففي الشمال الغربي، ظل الإليريون يشكلون تهديدا مستمرا طوال حكم فيليب. وعلى الرغم من أن الحملة التي شنتها مقدونيا في إليريا سنة 358 أسفرت عن هزيمة الملك الإليري وجيشه البالغ 7 آلاف رجل، تحالف الإليريون بعد ذلك بسنتين مع أعداء مقدونيا الشماليين الآخرين، وأعني التراقيين والبيونيين، وانضمت أيضا إلى هذا التحالف أثينا من المحيط الإغريقي. وبعد ذلك بأكثر من عشرين سنة، شهدت السنة التي مات فيها فيليب شن حملة ضد الإليريين. وعلى الرغم من أنهم لم يهدءوا، فمن الجائز تماما أن احتواء فيليب تهديد اجتياحاتهم المستمرة لمقدونيا العليا والدنيا، كان شديد الأهمية في تلاشي العداء طوال عهده من جانب أقاليم مقدونيا العليا التي كانت ذات يوم مستقلة. استقطبت إبيروس، الواقعة أيضا جهة الغرب، بسهولة أكبر إلى المحيط المقدوني سنة 357 بالتحالف مع العائلة الأياكيدية الحاكمة والزواج بأوليمبياس، ابنة ملكها. وأما على الجبهة الشرقية، فستشغل تراقيا الجنود المقدونيين دوما حتى أواخر أربعينيات ذلك القرن. من التضليل أن نتحدث عن تراقيا ككيان واحد، بل كان التراقيون جماعات عديدة يقودها شيوخ عشائر وتحارب بعضها بعضا، وأحيانا تتحالف ضد عدو أجنبي، أو ترى نفعا في إقامة روابط مع شعوب قاصية. ولم يستطع فيليب الاتجاه بأنظاره إلى ما وراء تراقيا، وتحديدا إلى سكيثيا، إلا قرب نهاية عهده.
في إطار التعامل مع الدول الإغريقية، شن فيليب غزواته ضد المنطقة الأقرب إلى حدود مملكته وهي تيساليا سنة 358. ويمكن ربط اثنتين من زيجاته بهذه الغزوات المبكرة، هما زواجه سنة 358 بفيلينا التي تنتمي إلى الأسرة الحاكمة في لاريسا الواقعة شمال تيساليا، ثم بنيكيسيبوليس ابنة مدينة فيراي في جنوب تيساليا بعد ذلك بست سنوات. وعلى الرغم من هذه التحالفات، تطلبت تيساليا مزيدا من الحملات في أربعينيات ذلك القرن. وفي 357 وجه فيليب أيضا اهتمامه إلى الدول الإغريقية شمال بحر إيجة، وهي الدول-المدن العريقة الواقعة في شبه جزيرة خالكيذيكي والمستعمرات الأثينية، أو الحلفاء الأثينيون الموجودون على الساحل المقدوني ذاته، وكذلك شرق شبه جزيرة خالكيذيكي. تدريجيا جر الصراع المقدوني-الأثيني فيليب وقواته أكثر صوب الشرق إلى شرق بحر إيجة ومنطقة بحر بروبونتيس؛ حيث كان الأثينيون يتمتعون بوجود قوي.
في البر الإغريقي الرئيس، نال فيليب بفضل نجاحه المتزايد في تيساليا قرب نهاية الخمسينيات منصبا رسميا آخر وهو «تاجوس»، بمعنى قائد جيوش مناطق تيساليا الأربع جميعها؛ مما مكنه من التصرف رسميا في شئون تيساليا. وجرت الأعمال العدائية من جانب الدول-المدن الشرقية أرجل المقدونيين إلى الشئون الإغريقية في خالكيذيكي؛ إذ استولى فيليب على مركز الحلف الخالكيذيكي في أولينثوس سنة 348. وتمخضت انتصارات مماثلة في أجزاء أخرى من شمال منطقة بحر إيجة عن ضم خالكيذيكي فعليا إلى المحيط المقدوني، فلا غرو أن هب الإغريق الجنوبيون ممن لديهم مصالح في شمال بحر إيجة لحماية تلك المصالح.
Halaman tidak diketahui