قال ورقة: «نعم! وقد يظهر أن شئونا غريبة عرضت له في بعض الطريق.»
قالت خديجة: «أوعلمت؟»
قال ورقة: «سمعت من ذلك أطرافا؛ فقد كان رفاقه يتحدثون بأمر ميسرة وبما كان يزعم لهم؛ ومنهم من يظهر العجب لذلك، ومنهم من يمعن في إنكاره. وقد سألت ميسرة، فأفضى إلي بحديثه كله، وقص علي ما سمع من «نسطور».»
قالت خديجة: «فإن أنبأتك بأني رأيت مثل ما رأى ميسرة، وبأن نسائي رأين مثل ما رأيت؟»
قال ورقة: «فإني أصدقك وأصدق نساءك، كما صدقت ميسرة حين سمعت منه هذه الأنباء.»
قالت خديجة، وقد ظهر على وجهها العجب والرضا معا: «تصدقنا ولم تر مثل ما رأينا؟»
قال: «نعم! لأني أنتظر مثل هذه الآيات من عهد بعيد. وما رأيت راهبا ولا حبرا من الذين انتهى إليهم علم الكتاب فيما جبت من بلاد الروم إلا تحدث إلي بأن هذه القرية مبعث نبي يخرج من أهلها، وبأن زمانه قد أظلنا، وبأن بشائره قد أخذت تظهر ويقفو بعضها إثر بعض. وهم قد أقرءوني ذلك في كتبهم، وهم قد حدثوني بذلك عن شيوخهم وأساتذتهم. وما أخفي عليك يا ابنة عم أني قد أمعنت في النصرانية إمعانا شديدا، وأن قلبي قد تحدث إلي في بعض أوقاته ببعض الأمل، ولكني لم ألبث أن رجعت إلى الحزم والعزم والبصيرة! فإن لهذا الرجل الذي يبعث من هذه القرية علامات وآيات، منها ما يلزمه ولا يفارقه، ومنها ما يسعى بين يديه. وليس لي من هذه العلامات والآيات حظ، فأنا أنتظر كما ينتظر غيري من علماء أهل الكتاب. ولو أن ميسرة لم يحدثني إلا بما رأى لكنت خليقا أن أصدقه وأن آمنه على هذا الحديث. فقلبه أدنى إلى السذاجة، وعقله أدنى إلى السماحة، وطبعه أقرب إلى السهولة واليسر من أن يتكلف الكذب، أو ينتحل الحديث، أو يدبر المكر تدبيرا. ولكنه لم يحدثني وحده بهذا الذي رأى، وإنما حدثتني أنت به أيضا! فقد رأيت ورأت نساؤك. على أن ميسرة قد حدثني بحديث «نسطور». وإني لأعرف من أمر «نسطور» ما أعرف، وهو رجل صالح صادق، عالم بما يأتي وما يدع، لا يقول إلا عن علم، ولا يصدر إلا عن رأي وثقة.»
قالت خديجة: «فأنت إذا ترى لمحمد شأنا؟»
قال: «ما أشك في ذلك. ولكني لا أدري متى يكون هذا الشأن، وإني لأنتظره، وإني لأتعجله، وإني لأريد أن أتحدث إلى محمد فيه، فلا أجد إلى ذلك سبيلا ما لقيته قط. فما هممت بالتحدث إليه في أمر الدين إلا انعقد لساني عن الحديث، وانصرفت نفسي عما كنت أريد أن ألقي إليه.»
قالت خديجة: «وما ذاك؟ وكيف تؤوله؟»
Halaman tidak diketahui