Di Tepi Sungai Nil
على ضفاف النيل: في عصر الفراعنة
Genre-genre
فهذا «امنمحعت الأول» يملأ جو البلاد رغدا وسكينة، ويفتخر قائلا: «لا جائع في مدتي ولا عطشان تحت سلطاني.» وهذا «اسرتسن الثالث» يغزو الشام، ويخضع بلاد النوبة، ويشيد القلاع لحمايتها عند نقطتي قمة وسمنة، ويحفر خليج «سيزوستريس» الذي كان يصل النيل بالبحر الأحمر.
وذلك هو «امنمحعت الثالث»، يرى بثاقب بصره أن الزراعة مصدر ثروة مصر الهام، فيتخذ من إقليم الفيوم المنخفض خزان «موريس»، تحفظ فيه المياه في أوقات الفيضان؛ لينتفع بها وقت انخفاض النيل، ويؤسس عند مدخل الخزان قصر لابيرنته العجيب.
نجاح وفشل
لنسرح الطرف الآن في بعض البلاد أيام الدولة الوسطى، ها هو ذا أحد الأمراء الإقطاعيين يشتغل بنحت قبره في جانب الجبل. انظر! أليس قبره هذا رشيقا؟ وكم ينفق الصناع من حذق ومهارة في تجميله وزخرفته؟! وها هو ذا قصر أمير آخر على ضفاف النيل. انظر إلى الحدائق الغناء وإلى طيور الماء تأوي إليه هادئة. تعال معي نتتبع إحدى بعثات التجار التي كان يبعثها أمراء الإقطاع في ذلك الوقت السحيق، انظر! ها هي جمهرة كبيرة من السفن. إنها تبرح مياه الأمير. إن الملاحين ينشدون ويغنون، والمراكب تسير بهم إلى الجنوب. انظر! ها هم قد وصلوا إلى جنادل أسوان. إنهم يخترقون القناة التي حفرها «اسرتسن الثالث» في حجر الجرانيت ليتجنبوا الجنادل. ها هم يتوغلون في أواسط السودان. إنهم يبتاعون للأمير من بلاد النوبة وبلاد بنت - السومال وعدن - ريش النعام، وسن الفيل، والعطور والطيوب. ها هم يعودون وقد وصفوا رحلاتهم في قصص طويلة مسلية. هل ترى كيف يقرؤها الناس بشوق ويدرسها الطلبة في المدارس؟!
إن أمثال هذه الرحلات البرية والبحرية التي كانت تتوغل في الجنوب حتى تصل إلى المحيط الهندي - آخر حد للدنيا! - وتتوغل في الشمال حتى تدرك بلاد فلسطين، وفينيقيا، ولبنان، وجزائر اليونان، واليونان نفسها، والتي كان يدون أخبارها ويصفها الربابين ومن معهم من الأدباء؛ هي أساس الأدب المصري القديم، الذي كان يتميز به عصر الإقطاع ، كما كان يتميز عصر الدولة القديمة بالأبنية الضخمة كالأهرام. لقد وضعت في ذلك العهد جملة صالحة من الأناشيد والأشعار، كما ألفت أول رواية تمثيلية في العالم؛ وهي «درامة أوزوريس» أول إله سكن مصر، التي صورت فيها حياة «أوزوريس» ومماته ودفنه وبعثه، والتي كانت تمثل كل عام، فيشترك في تمثيلها عدد عظيم من الناس. كذلك تقدم علم الطب والعلاج، ولا تزال بعض الأدوية والمعالجات التي كان يصفها الأطباء المصريون قديما لمرضاهم في تذاكرهم الطبية - الروشتات - كزيت الخروع والحجامة والكي؛ تستعمل إلى وقتنا هذا. وتقدمت في هذا العهد أيضا العلوم الرياضية والفلكية؛ فألفت كتب في الحساب على النظام العشري، الذي لا يزال مستعملا إلى الآن، كما وضعت مبادئ الهندسة والجبر، واخترعت آلات بسيطة لرصد الأجرام السماوية.
وترقت الإدارة الحكومية، فكان يعمل كل بضع سنين إحصاء يعتمد عليه في جباية الضرائب، كما أنشأ «امنمحعت الثالث» مقياسا للنيل عن حصن سمنة - الشلال الثاني - لينبئ بحالة الفيضان؛ لكي تتناسب الضرائب مع مقدار الفيضان. ولقد أقيمت في هذا العصر السدود والخزانات؛ فأخصب خزان بحيرة «موريس»، الذي أنشأه امنمحعت الثالث، ما يقرب من 27 ألف فدان من إقليم الفيوم وحده، فكانت الحكومة منذ 4000 سنة تفكر فيما يشغل بال الحكومات في وقتنا هذا.
وكان لمصر أسطول ضخم وصل إلى جزائر اليونان، واستولى على كريد وغيرها من الجزائر، وكانت السفن المصرية تأتي من بحر إيجه، فتدخل أحد فروع النيل، ثم تسير إلى أن تصل إلى قناة «سيزوستريس»، إلى البحر الأحمر، إلى بلاد بنت، إلى المحيط الهندي الذي كان يعتبره المصريون آخر حد للدنيا.
ولم يهمل المصريون الصناعة في هذا العصر؛ فحذقوا صياغة الحلي الدقيقة، ونظرة واحدة إلى قاعة الذهب في المتحف المصري تترك الإنسان حائرا من جمال ما يرى، أما مباني هذا العصر فكانت تمتاز بالدقة والتناسق، وحسن الذوق، والجمال والرشاقة، على عكس مباني الدولة القديمة التي كانت تمتاز بالضخامة والعظم.
تلك كانت الحال أيام الأسرة الثانية عشرة؛ نجاح على طول الطريق، فإذا كنا في أيام الأسرة الثالثة عشرة - ذلك الرقم المشئوم - إذا بذلك النظام الهائل ينقض، وإذا بنجاح عهد الإقطاع يتبدل فشلا، وإذا بالأمراء وحكام المقاطعات يستقلون ويغيرون على مقاطعات جيرانهم، يبتغون الوصول إلى مصر بأسرها، ولم تكن مصر بدون أعداء في ذلك الوقت؛ فلقد كانت تتكون في الشمال الشرقي من حدودها إذ ذاك دولة جديدة، وكانت حالة مصر التعسة تشجع أي دولة على غزو البلاد؛ الأمر الذي تم بكل أسف في أواخر الأسرة 13 المشئومة؛ إذ بدأ الهكسوس الآسيويون يغيرون على مصر.
ولسنا نعلم عن الهكسوس أو الملوك الرعاة أكثر من أنهم شعب سامي الأصل، شجعتهم انقسامات مصر على الدخول، فهبطوا الوادي المقدس عن طريق برزخ السويس، واستطاعوا أن يجتاحوا الوجه البحري وبعض أقاليم الوجه القبلي بدون عناء كبير، وساعدهم على التمكن من مصر بعض الزعانف من أمراء المصريين، الذين يعبدون السلطة حيثما ظهرت، وكان حكم هؤلاء الأجانب أشد ما يكون بغضا إلى المصريين؛ لا لأنهم عاملوا المصريين بقسوة وفظاظة، ولا لأنهم حطموا الهياكل والمعابد فحسب؛ بل لأن عهدهم كان في مصر أول حكم أجنبي عليها.
Halaman tidak diketahui