Di Pintu Bab Zuwayla
على باب زويلة
Genre-genre
ثم نهضت لتهيئ العشاء!
وقال الرجل وهو يدير عينيه بين ألوان الطعام: هلا بعثت يا جليلة فاشتريت بعض ما يبيع مماليك السلطان عند باب القلعة من زبادي اللحم، ورقائق الخبز التي تفضل عن حاجتهم من أرزاق السلطان؛ احتفالا بزيارة أم السعد؟
قالت زوجته: وهل حسبت يا عز الدين أن السلطان في هذه الأيام يصرف لمماليكه من الرزق زبادي لحم أو رقائق خبز تفضل عن حاجتهم فيبيعونها؟! هيهات! قد كان ذلك في عهد مضى، فإن مماليك السلطان اليوم ليأكلون أرزاق الناس!
الفصل الثاني والعشرون
شعب وحكومة
كان بدر الدين بن مزهر الأنصاري سيدا من سادات المصريين وذوي الجاه فيهم، وقد تولى - كما تولى آباؤه من قبله - عدة وظائف سنية لعديد من السلاطين، فكان ناظر الخاص، ومحتسبا، وكاتب سر، وهي وظائف تداني مرتبة الوزارة في نظام الحكومة لذلك العهد، وكانت تربطه ببعض أمراء المماليك صلات من المصاهرة جعلته قريب المنزلة من ذوي السلطان، وكان إلى كل ذلك مليحا وسيما، عريق النسب، كثير المال والنشب، عربي الوجه واليد واللسان، فبلغ بذلك كله منزلة من المجد لم يبلغها مصري في ذلك العهد ... وكانت داره في بركة الرطلي ملتقى الصفوة من الرؤساء والأعيان، وأمراء المماليك وأصحاب الوظائف وقادة الجند.
وكانت الإمبراطورية المصرية لذلك العهد مبسوطة الرقعة بين بلاد الروم وصحراء ليبيا شرقا وغربا، ومن حدود اليمن على ساحل بحر الهند إلى سواحل بحر الروم جنوبا وشمالا، وكانت تنعم باستقلال تام وحرية كاملة، فليس لدولة من دول الشرق أو الغرب عليها سيادة أو سلطان، فهي سيدة نفسها وسيدة ما يليها من البلاد، لا تصدر ولا ترد إلا عن رأي حكومتها المركزية في القاهرة، وقد تعاور عرشها طوائف من الملوك والسلاطين، فيهم الترك من بني طولون وبني الإخشيد، وفيهم العرب من خلفاء العبيدين الفاطميين، وفيهم الكرد من بني أيوب، وفيهم هؤلاء المماليك. ولكن هذه الإمبراطورية - على اختلاف أجناس الأسر الملوكية التي تعاقبت على عرشها - لم تدخل تحت سيادة دولة أجنبية قط، منذ استقل بها عن الدولة العباسية أحمد بن طولون في القرن الثالث ...
على أن المصريين في هذا العهد الذي نقص من تاريخه، لم يكونوا راضين عن نظام حكومة الجراكسة رضا يفرض عليهم لها الطاعة والولاء؛ فقد ضاقوا بما يحملون من مظالم المماليك ضيقا شديدا، فإنهم ليتمنون - لو استطاعوا - أن يخلعوا عن أعناقهم إصر هؤلاء السلاطين الذين يتوارثون عرش مصر سلطانا بعد سلطان، منذ ثلاثة قرون أو قريب من ذلك، فلم يعدلوا في الحكومة، ولم يقسموا بالسوية، ولم يحققوا للشعب معنى من معاني الحرية والإخاء، أو يهيئوا له عيشة ناعمة رخية، وإنما كان كل همهم أن ينعموا بحياة مترفة قد بلغت الغاية من البذخ والرفاهية، والشعب يعاني ما يعاني من ألوان الحرمان والمذلة، ويقاسي آلام المرض والعري والجوع. بلى، قد حفظ أولئك السلاطين لمصر هيبتها بين دول الشرق والغرب، وصانوا لها حريتها واستقلالها، ولكن ما جدوى الحرية والاستقلال إذا لم يكن أفراد الشعب أحرارا مستقلين في ذات أنفسهم، لهم رأي واعتبار ومشاركة في الحكم، ولهم حق المحكومين على الحكام في أن يهيئوا لهم حياة إنسانية كريمة؟
ما جدوى الحرية والاستقلال إذا لم يحس كل فرد في الدولة المستقلة الحرة أنه مستقل حر؟
كانت هذه الخواطر تلم بقلوب المصريين، فيسرونها حينا ويجهرون بها حينا آخر، ولم تكن عصائب فتيان الزعر، أو غارات الأعراب المتوالية على حدود المدن، إلا تعبيرا صامتا عن تلك العاطفة التي تغلي بها نفوس المصريين على اختلاف عناصرهم، كما يغلي الماء في القدر فيترشش على حافة الوعاء!
Halaman tidak diketahui