Di Pintu Bab Zuwayla
على باب زويلة
Genre-genre
ثم نظر إلى يمينه حيث يجلس شاب من المماليك له زي ووقار وسمت.
وأردف قائلا لمحدثه: ولكن ما لك تجمع المماليك كلهم في قرن، كأنما تريد أن توزرهم جميعا وزر فرد منهم، وتأخذهم بجريرة محمد بن قايتباي!
قال أعرابي: يا سيدنا الشيخ، إنما هي بلادنا لا بلاد الجركس، وقد جاءوا إلينا رقيقا في يد النخاس، فما هي إلا أن أقاموا بيننا حينا حتى ملكوا رقابنا، واستصفوا أموالنا، وها هم أولاء يريدون آخر الأمر أن تكون نساؤنا وبناتنا حظايا في قصورهم. لقد كان عرش هذه البلاد للعرب منذ رتل فيها قرآن، وإنما تركناه وديعة في يد الكرد إلى حين، يوم غزانا التتار، فأسلمه الكرد إلى هؤلاء المماليك، وقد حان أن ترد الأمانات إلى أهلها.
قال الشيخ باسما: وترى من يسمع لقولك هذا من أبناء مصر فيعينك عليه يا أخا العرب؟
قال الأعرابي: أبناء مصر! إنهم لا يصلحون إلا أن يقادوا مقهورين، كما يقاد البعير المخشوش من أنفه!
وسرى همس خفي بين المريدين من أبناء مصر، ثم ارتفع الهمس فصار لغطا، وارتفع اللغط فصار ضجيجا غاب فيه صوت الأعرابي، وهم المريدون أن يتماسكوا بالأيدي وتنشب بينهم معركة، فلم يمسكوا عن الضجيج والحركة، حتى وقف بينهم أرقم يشير لهم بيديه جميعا داعيا إلى الصمت، ثم ارتفع صوت المملوك الجالس إلى يمين الشيخ، فصيحا قويا عميق النبر، يقول: على رسلكم أيها الإخوان، إنما نحن جميعا هنا أبناء مصر، جراكسة، وأعرابا، ومصريين، كلنا سواسية في الحق والواجب، وإنما يغلبنا السلطان الجائر على أنفسنا بهذه العصبية التي تفرقنا، وتشق عصا جماعتنا! وماذا يجدينا أن نفاخر بأنسابنا وهذا السيف مصلت على رءوسنا جميعا في يد صبي عابث، قد استبدت به شهواته فليس يعنيه من أمر هذا الشعب قليل ولا كثير؟ ليس فينا من يرضى هذه الحال الأليمة. أما الأعراب فيعبرون عن سخطهم بهذه الغارات المتتابعة على أطراف المدينة وفي البوادي، وعلى حدود المدائن في الشمال والجنوب، فلا ينالون شيئا من السلطان، ولكن ينالون من إخوانهم ومن أنفسهم. وأما المماليك فيتخذون سلطانهم قدوة فلا يزالون يعيثون في الأرض الفساد: ينهبون، ويفتكون، ويهتكون، وإنما يتعجلون آخرتهم بهذه المظالم. وأما المصريون فينظرون إلى هؤلاء وأولئك ساخرين أو شامتين، ثم لا يزال فتيانهم يؤلفون العصائب للتخويف والإرهاب وانتهاز الفرص، ويتندرون فكهين بما كان وبما سيكون، والسلطان يلهو ... وإنما سبيل الخلاص واحدة: هي اجتماع الكلمة على تقويم المعوج، وليكن السلطان بعد ذلك من يكون: مصريا، أو عربيا، أو من أبناء الجركس ... فكلنا لمصر!
قال الشيخ مؤمنا: هو ما قلت يا طومان، وإنما عليكم أنتم أيها الجراكسة أن تبدءوا بصلاح أنفسكم ... وإن شئت فابرز اليوم إلى القاهرة؛ لترى بعينيك كيف انتشر مماليك السلطان يبثون الرعب في القلوب، وينذرون بالويل والثبور.
قال طومان: قد رأيت بعض ما كان، وأحسبهم سيثوبون إلى رشادهم بعد قليل، لقد تركت عمي قنصوه الغوري يهدئ ثائرتهم، وأراه أهلا لأن يملك زمام الأمر!
وأذن المؤذن لصلاة الظهر، فانتظم المريدون صفوفا خلف شيخهم ... فلما قضيت الصلاة تأهب طومان للانصراف، فاستأذن شيخه واتخذ طريقه نحو الباب تشيعه أنظار الجماعة بالإكبار والحب، على أن أرقم المسيخ خادم خلوة الشيخ أبي السعود الجارحي، كان أشد المريدين إعجابا بذلك المملوك الشاب، فظلت عيناه طوال الوقت معلقتين به وأذناه تسمعان، فلما هم أن ينصرف تبعه إلى الباب، ومد يده إليه مصافحا وهو يقول في تأثر: صحبتك السلامة يا بني حتى تبلغ مأملك.
ثم فاضت به عاطفته حتى هم أن يضمه إليه ويقبل جبينه، ولكنه اكتفى من ذلك بأن يضغط بأصابعه النحيلة على يد الشاب وهو يقول: أرجو أن تذكر دائما يا بني صديقك أرقم خادم خلوة الشيخ أبي السعود الجارحي، إنني في خدمتك حيث تشاء، وفي أي وقت تريد.
Halaman tidak diketahui