Di Pintu Bab Zuwayla
على باب زويلة
Genre-genre
لولا هذه الهنات لهدأ بال طومان باي وتمت سعادته، ولكن من أين له أن يهدأ وهو دائب الحركة ليصلح بين المماليك والسلطان، وبين القرانصة والجلبان، وبين أولاد الناس والشعب، ثم ما بين أولئك جميعا وبين الجباة وعمال السلطان!
الفصل السابع والعشرون
نذير العاصفة
- مولاي! - ما تريد يا طومان؟ - لست أريد شيئا لنفسي، فقد غمرتني نعمتك يا مولاي حتى لا أطمع في مزيد، ولكن أمرا ذا بال يشغلني ... - اعرض ما شئت من أمرك يا طومان! - إنه أمر هؤلاء الروم الذين يتخذون متاجرهم في خان الخليلي، فيخالطون المصريين والجركس، وأعراب البادية، ويطلعون من أحوالنا على ما لا ينبغي أن يطلع عليه الغرباء ... - ولكنهم ليسوا غرباء يا طومان، إنهم يعيشون بيننا منذ سنين، وقد اتخذوا مصر وطنا وأهلها أهلا، ولهم بيننا صهر ونسب، فماذا يشغلك اليوم من أمرهم؟ - لا شيء، ولكن ابن عثمان ملك الروم اليوم على الحدود قد زين له الطمع ما زين من أوهامه، فإني لأخشى أن يضيق هؤلاء التجار الروم بما يفرض الجباة على التجارة في مصر من ضرائب فادحة، وبما يلقون من عسف عمال السلطان، فيلتمسوها زلفى إلى ابن عثمان، ويضمروا لنا الغدر ويكاتبوا سلطان الروم بما يعرفون من أحوال مصر؛ انتقاما لما ينالهم من أذى الجباة والعمال! - وماذا يحملك على هذا الظن يا طومان، وأي شيء يدفعهم إلى هذا الغدر وهم في خفض ونعمة، لا يتمتع بمثلهما كثير من المصريين؟ - إنما هو حديث حدثني به اليوم يا مولاي بعض غلماني، يزعم أن جاني باي الأستادار قد أحفظ صدر هؤلاء الروم بما يفرض عليهم من الضرائب الثقيلة، وبما يلقون من عنت عماله وغلظتهم في سبيل ما يحصلون من هذه الضرائب؛ حتى ليتحدث بعضهم إلى بعض جهرا، يعلنون عن سخطهم ونقمتهم، ويلتمسون السبيل إلى الخلاص من جور المحصلين والجباة ... بمكاتبة ابن عثمان ملك الروم! - إذن فلينالوا جزاءهم، وسأرسم اليوم بحبسهم وقبض ما في خزائنهم من المال؛ ليكونوا عبرة لمن يعتبر! - مولاي! - ماذا يا طومان؟ - أفلا يكون سبيل الإحسان أن تنظر في شكواهم فتعاقبهم على قدر الذنب؟ إنهم فيما أعلم ليلقون - كما يلقى الناس جميعا - من الجور وسوء المعاملة ما لا طاقة لهم بحمله؛ وقد أسرف جاني باي فيما يفرض من الضرائب حتى ليبيع الناس أقواتهم وثيابهم ومتاع بيوتهم ليفوا له بما يطلب، فخربت الأسواق، وفر الزراع من أراضيهم وتركوها غبراء مقفرة ليس فيها زرع ولا شجر، وأوشك الشعب أن يموت جوعا.
قال الغوري: إن جاني باي إذن لذو مال!
وصمت برهة يفكر، ثم رفع رأسه قائلا: وسأقبض معهم على جاني باي الأستادار؛ حتى يؤدي إلى خزانة السلطان ما اغتال من أموال الناس.
قال طومان في قلق: مولاي! فهل ترد إلى الناس ما اغتال جاني باي وعماله من أموالهم؟
قال الغوري وعلى شفتيه ابتسامته: ما زلت يا طومان تحسن الظن بما ترى من حال ذلك الشعب ... إن هؤلاء الناس يا أمير ليخفون ثرواتهم وراء هذه الرقع الملفقة التي يسترون بها أجسادهم متظاهرين بالفقر والحاجة، وإن السلطان بما يدبر من أمورهم لأحوج منهم إلى ذلك المال.
ثم لم يلبث السلطان أن دعا طائفة من جنده، فرسم لهم أن يقصدوا دار جاني باي فيأتوا به في الأغلال.
كانت سورباي بنت جاني باي الأستادار شابة في نضارة العمر، مليحة، رشيقة، قد جمعت إلى جمالها الجركسي خفة الروح المصرية، فقد كانت أمها مصرية صريحة النسب، رآها أبوها جاني باي في شبابه، فأحبها، فتزوجها، لم يأبه لتلك التقاليد التي كانت تحرم على الجركس ومماليك السلطان أن يصهروا إلى المصريين، فجاءت بنتها سورباي مزيجا مصريا جركسيا يوقظ الفتنة النائمة ...
Halaman tidak diketahui