لكن خشيتها من أن تفقد وعيها فتصير تحت رحمتهم جعلتها تصارع الدوار بكل ما أوتيت من قوة. بعد أن لعقت شفتيها الجافتين، تمكنت من الحديث إلى البارونة. «دعيني أمر رجاء.»
عوضا عن أن تفسح لها الطريق، تطلعت البارونة إلى وجهها المختلج.
وقالت: «أنت تتألمين. هذا ليس أمرا جيدا؛ فأنت يافعة وتسافرين دون رفقاء. سأطلب من الممرضة هنا أن تعطيك قرصا لإراحة ألم رأسك.»
قالت آيريس بحزم: «كلا، شكرا لك! رجاء، هلا تنحيت جانبا؟»
لم تلتفت البارونة لطلبها، أو لرفضها، بل صاحت بأمر حازم فخرجت الممرضة ذات الوجه القاسي إلى مدخل مقصورة المريضة. لاحظت آيريس لا شعوريا أن كلمات البارونة لا تتسق وكونها طلبا عاديا، بل كانت أمرا بالتحرك الفوري.
كان البخار قد بدأ يتجمع على زجاج نافذة مقصورة المريضة بفعل الحرارة، لكن آيريس حاولت أن تلقي نظرة بالداخل. بدا كأن الجسد الساكن الممدد على المقعد لا وجه له، بل مجرد غشاوة بيضاء.
فيما تساءلت في نفسها عما يستقر تحت تلك الضمادات لاحظت الممرضة اهتمامها، فتقدمت بغتة وأمسكت بذراعها كأنها ستسحبها إلى الداخل.
تطلعت آيريس إلى ثغرها القاسي، والظلال الداكنة حول شفتيها والأصابع القوية التي تكسوها شعرات سوداوات قصيرة، وقالت في نفسها: «إنه رجل.»
دفعها الذعر لأن تقدم على حركة غريزية دفاعا عن نفسها. بالكاد كانت تعي ما تفعل وهي تدس طرف سيجارتها المشتعلة في ظهر كف السيدة. من دهشتها، أرخت قبضتها وهي تنطق بما يشبه القسم.
في تلك اللحظة، اندفعت آيريس عنوة من جانب البارونة وانطلقت تركض في الممر وهي تشق طريقها خلال سيل الركاب العائدين من العشاء. مع أنهم أعاقوا طريقها، كانت ممتنة لوجودهم لأنهم شكلوا حاجزا بينها وبين البارونة.
Halaman tidak diketahui