فقال بهدوء: ستكون رئيسا للشرطة، ولكن لن يطالبك أحد بالتضحية بحياتك الغالية ...
كنت على استعداد كامل لمقاتلة الكهنة أنفسهم الذين ترعرعت في أحضان كلماتهم، ورضعت حبهم وتقديسهم. ومع ذلك فلم تصدر عن يدي ضربة واحدة نحو أحد مذ عملت رئيسا لشرطته عدا ضربة واحدة انطلقت من يدي بلا إذن منه. ويوم تسلمت الرياسة قال لي: ليكن سلاحك منذ اليوم زينة، أدب الناس بالحب كما علمتك، ومن لم يؤدبه الحب يؤدبه المزيد من الحب ...
وكنا نقبض على اللصوص فنسترد ما سلبوا، ونهيئ لهم عملا في المزارع، ونلقنهم رسالة الحب والسلام. أما القتلة فيرسلون إلى المناجم، وتوفر لهم أسباب الراحة والرزق، ويتلقون في أوقات الفراغ دروسا في الدين الجديد. وكثيرا ما لقينا من ذلك ضروبا من الجحود والغدر، ولكن حرارته لم تفتر أبدا، وكان يقول: سترون قريبا شجرة الأمل مثقلة بالثمار.
كان إيمانه قويا راسخا متحديا لا يتزعزع ولا يهن؛ ذلك الملك العجيب الذي شبع الهواء بالسرور في مدينة النور، وأثملت أناشيده قلوب الرجال والنساء والطير. كان يومه يمضي على غير ما عهد الملوك من آبائه وأجداده؛ فهو يتعبد في الخلوة، يخطب من شرفة قصره، ويلقي أناشيده في المعبد، ويتجول في عربته الملكية في شوارع أخت آتون، بصحبة الملكة، بلا حرس، مخالطا جموع شعبه، محطما الحواجز التقليدية بين العرش والناس، داعيا في كل مكان إلى العبادة والحب، والجميع من الوزراء حتى عمال النظافة يترنمون بنشيد الولاء للإله الواحد.
وذات صباح جاءني أحد معاوني وقال لي: ثمة همس بين الصفوة عن أنباء سوء!
باحت الأسرار بما أضمرت من فساد الموظفين ومعاناة الفلاحين وتفشي العصيان في الإمبراطورية. خرجت الحشرات من جحورها زاحفة، وجرى الغدر مع مياه النيل، وأشفق قلبي مما عسى أن يتسلل إلى مولاي من الكدر، غير أن الأحداث لم تزده إلا صلابة وإيمانا وثقة في النصر. ولم يهن تمسكه بالحب، بل لعله قوي واشتد، وكأن الظلام لم يدلهم إلا ليعده بالنور القريب. وفي تلك الأيام الكالحة تسلل مجرم من صنائع الكهنة إلى خلوته ليغتاله في غبش الظلام، وكاد ينجح لولا أن عاجلته بسهم في صدره. وانتبه مولاي إلى ما أريد به، فجعل يتفرس في وجه المجرم وهو يلفظ أنفاسه، ووجم طويلا ثم نظر نحوي قائلا في فتور: قمت بواجبك يا محو.
فهتفت منفعلا: إني فداء لمولاي.
فسألني بنفس النبرة الفاترة: أما كان في مقدورك أن تقبض عليه حيا؟
فقلت صادقا: كلا يا مولاي ...
فقال بأسى: دبر الأشرار مؤامرة لارتكاب جريمة يبغضها واهب الحياة، فحيل بينهم وبينها ووقعنا نحن في الشرك.
Halaman tidak diketahui