فقلت وعقلي يعمل بسرعة فائقة: أعدك بالولاء له مهما تكن الظروف والأحوال.
فقالت بارتياح غير خاف: إنهم يطالبون برأسه، وإنك رجل القوة التي تحافظ عليه، وربما سعوا إلى استقطابك عاجلا أو آجلا.
فكررت وعدي بالصدق والإخلاص. وقد حافظت على عهدي عندما اقتنعت بأن خير وسيلة للدفاع عنه هي التخلي عنه. وفشلت تيى في مسعاها رغم ما عرف عنها من سيطرة كاملة عليه، وغادرت أخت آتون لتموت في حسرة أبدية. وضيق الخناق علينا في مدينة الإله الجديد، وتوكد لدي أن الإله الجديد عاجز عن الدفاع عن نفسه فضلا عن محبوبه المختار. وذقنا الحرمان، وتهددنا الموت من الشمال والجنوب، ولم يضعف ذلك من مقاومته، بل لعله زاده إصرارا وعنادا، ولم تنطفئ نشوته الدينية، فكان يقول لمحدثه: لن يخذلني إلهي يا ضعيف الإيمان.
وكلما رأيت وجهه المتألق بالنشوة والثقة، أيقنت أكثر وأكثر من جنونه. لم تكن معركة دينية كما تجري في الظاهر، ولكنها كانت فوضى جنونية تحتدم في رأس رجل ولد في هالة من الشذوذ. ثم كانت زيارة كاهن آمون لنا وتوجيه إنذاره الأخير إلينا، وقد قبض على يدي بقوة وقال لي: إنك رجل الواجب والقوة يا حور محب، فأنقذ ضميرك بفعل ما يرجى منك.
والحق أني أكبرت في الرجل ارتفاعه عن التشفي والانتقام، وسعيه إلى تجنيب البلاد ويلات المزيد من الخراب. وطلبنا المقابلة. كانت عسيرة وأليمة وحزينة. كنا ننفض عنا الولاء نحو الرجل الذي لم يكن لشيء سوى الحب الذي صور له جنونه حلما عجيبا أراد لنا أن نشاركه في سعادته الوهمية. واقترحت عليه إعلان حرية الأديان، والدفاع الفوري عن الإمبراطورية. ولما رفض اقترحت عليه أن يتخلى عن العرش ويتفرغ لنشر دينه. وغادرناه ليعيد النظر في الموقف كله، وقد أشرك سمنخ رع في عرشه على حين هجرته نفرتيتي، ولكنه لم يتراجع خطوة عن إصراره. وقررنا التخلي عنه والانضمام إلى الجانب الآخر لتعود الوحدة للوطن، بعد الاتفاق على ألا يتعرض له أحد - ولا لزوجه - بأذى. وأقسمت يمين الولاء للملك الجديد توت عنخ آمون، فأسدل الظلام على أكبر مأساة تقطع لها قلب مصر، فانظر إلى ما صنع الجنون بمجد أرض مجيدة عريقة!
وشملنا صمت الختام، فأخذت أنسق أوراقي تأهبا للذهاب. غير أنني سألته: وكيف تفسر هجر نفرتيتي له؟
فأجاب دون تردد: لقد أدركت ولا شك أن جنونه جاوز خط الأمان، فهجرت قصره محافظة على حياتها! - ولم لم تهجر المدينة معكم؟
فقال بازدراء: كانت على يقين من أن الكهنة يعتبرونها الفاعل الأصلي في الجريمة الكبرى!
فسألته وأنا أحييه مودعا: وكيف مات؟ - عجز ضعفه عن احتمال الهزيمة، واهتز إيمانه ولا شك بتخلي إلهه عنه، فمرض أياما قليلة ثم مات.
فسألته بعد شيء من التردد: كيف تلقيت خبر موته يا سيدي القائد؟
Halaman tidak diketahui