وهنا سرد علي أنباء العودة، والجنازة، وجلوس الأمير على عرش أجداده باسم أمنحتب الرابع، ونفرتيتي شريكته بوصفها الملكة العظمى، وكيف دعاهم الملك الجديد فعرض عليهم دينه، وكيف أعلنوا إيمانهم به، وكيف عين نتيجة لذلك ماي قائدا لجيش الحدود، وحور محب قائدا للحرس، وهو - آي - مستشارا للعرش. وقد ورث الملك حريم أبيه كالمتبع فأحاطه بالرعايا والزهد! كما أمر بتخفيف الضرائب، وبإحلال الحب محل العقاب. وكيف توتر الجو بينه وبين كهنة آمون حتى أمره إلهه ببناء عاصمة جديدة له؟ وقد وقف آي عند إعلان الرجال إيمانهم بالإله الجديد وقفة تأمل، فقال لي: ستسمع عن ذلك أقوالا متضاربة، ولكن لا علم لأحد بأسرار القلوب!
وبدا أنه شعر بأنه مطالب بالكشف عن سر قلبه هو، فقال: عن نفسي آمنت بالإله باعتباره إلها يمكن ضمه إلى بقية الآلهة، وكنت أرى أنه لا يجوز التعرض إلى حرية العقيدة!
وقال معلقا على سياسة الحب إنه قال لمولاه: عندما يأمن الموظف من العقاب سيقع في الفساد، ويسوم الفقراء سوء العذاب.
ولكن الملك قال له بيقين: ما زلت ضعيف الإيمان، وسوف ترى بنفسك ما يفعله الحب، ولن يخذلني إلهي أبدا. •••
وقال آي مواصلا حديثه: انتقلنا إلى أخت آتون العاصمة الجديدة، لم ولن ترى العين أجمل منها، وأقيمت أول صلاة بالمعبد القائم في وسط المدينة، وأمسكت نفرتيتي بالطنبور متألقة الشباب والجمال، وراحت تغني بصوت رخيم:
يا حي يا مبدئ الحياة،
ملأت الأرض كلها بجمالك،
وقد قيدتنا بحبك!
واستقبلنا أياما أعذب من الأحلام، حافلة بالهناء والسرور والحب والرخاء. وتفتحت القلوب حقا للإيمان الجديد، ولكن الملك لم ينس رسالته، وباسم الحب والسلام والسرور خاض أشرس حرب ابتليت بها مصر؛ فما لبث أن أمر بإغلاق المعابد ومصادرة الآلهة ومحو أسمائها من الآثار، حتى اسمه غيره، وقام برحلاته المشهورة في أنحاء البلاد داعيا إلى دينه؛ دين الواحد والحب والسلام والسرور. وعجبت لاستقبال الناس له في كل مكان بالحماس والحب، وانطبعت صورته وصورة نفرتيتي في القلوب كما لم تنطبع صورة فرعون آخر من الفراعين الذين سمع الناس عنهم ولم يروهم.
ثم أخذت الأحزان تزحف، مترددة أول الأمر، ثم انهلت كالشلال. مدت قبضتها أول ما مدت إلى أحب بناته إلى قلبه، ابنته الثانية، ميكيتاتون الجميلة، فجزع لموتها جزعا شديدا، وبكاها بدموع عزيزة أشد مما بكى أخاه تحتمس في صباه، وجعل يصرخ من قلب مكلوم: لماذا يا إلهي ... لماذا يا إلهي؟!
Halaman tidak diketahui