[الطاعة والمعصية فعل العبد]
والدليل على أن ما فعلوا من طاعة الله ومعصيته فعلهم، وأن الله جل ثناؤه لم يخلق ذلك، إقبال الله تبارك وتعالى عليهم بالموعظة، والمدح والذم والمخاطبة، والوعد والوعيد، وهو قوله جل ثناؤه: { فمالهم لا يؤمنون } [الإنشقاق:20]. وقوله: { وماذا عليهم لو آمنوا بالله واليوم الآخر } [النساء:39]. ولو كان هو الفاعل لأفعالهم الخالق لها، لم يخاطبهم ولم يعظهم، ولم يلمهم على ما كان منهم من تقصير، ولم يمدحهم على ما كان منهم من جميل وحسن، كما لم يخاطب المرضى فيقول: لم مرضتم ؟ ولم يخاطبهم على خلقهم فيقول: لم طلتم ؟ ولم قصرتم ؟ وكمالم يمدح ويحمد الشمس والقمر والنجوم والرياح والسحاب في مجراهن ومسيرهن. وإنما لم يمدحهن، ويحمدهن لأنه جل ثناؤه هو الفاعل ذلك بهن، وهو مصرفهن ومجريهن وهو منشؤهن. وكان في ذلك دليل أنه لم يخاطب هؤلاء وخاطب الآخرين، فعلمنا أنه خاطب من يعقل، ويفهم ويكسب، وإنما خاطبهم إذ هم مخيرون، وترك مخاطبة الآخرين إذ هم غير مخيرين ولا مختارين، فهذه الحجة، وهذا الدليل على فعله من فعل خلقه.
Halaman 263