وقال آخرون: المعصية المنفية عن التسعة عشر لا عن جميع "الملائكة" (¬1) فأما هاروت وماروت -قالوا- فملكان عصيا الله عز وجل، وإن عقوبتهما/ تعجلت لهما في الدنيا في أرض بابل على تعليم السحر. فالله أعلم بما تئول إليه مقالته هؤلاء. وهذا أمر لا يدرك بالعقل وإن كان لا يحيله، ليس عندهم إلا ظاهر القرآن وعموم القرآن جلها غير مأمون التخصيص ولا خصوص. ووصفهم رسول الله عليه السلام بالجوارح والأفواه والعواتق والأبصار والأرجل. وقال عليه السلام: «أذن لي أن أحدث عن ملك من الملائكة زاوية من زوايا العرش على كاهله ورجلاه في تخوم الأرضين» (¬2) . وقيل يزيد في الخلق ما يشاء: حسن النغمة. ووصفهم بالكلام يسبحون الليل والنهار لا يفترون، وبالأفواه قوله عليه السلام: «إن العبد إذا قام إلى الصلاة دنى الملك منه حتى يضع فاه على فيه يتلقى القرآن إذا قرأ» (¬3) . وفي بعض الأحاديث: «إن بين شحمة أذني اسرافيل وبين عاتقة مسيرة/ خمس مائة عام. وإنه ليتضاءل أحيانا حتى يصير مثل الوصع من خشية الله» (¬4) . وإنهم يكلفون ويجتهدون ويختلفون
وعلمهم الالهام كما قدمنا. وليس عليهم من شريعة بني آدم شيء، وإنما عليهم شرائع أنفسهم. ولم نسمع أن رسولا من بني آدم أرسل إليهم وليس عليهم من تغيير مناكر بني آدم شيء حتى يؤمروا. ويوالون ويبيرأون بالظواهر وتقع المحنة بعضهم من بعض، ويحضرون القتال عند ملتقى المؤمنين والكافرين فيقاتلون إذا أمروا ويكفون إذا نهوا. وأمرهم كلهم يئول إلى الخبر. صلى الله عليهم وسلم أجمعين ورضي عنهم والحمد لله رب العالمين.
Halaman 288