ونحن نشير إلى حرف واحد يتبين لك منه الغرض والمراد ويتبين لك احتمالات القرآن في مضمراته ومكنياته وعمومه وخصوصه وأموامره ونواهيه ومجمله ومفصله كما قال رسول الله عليه السلام (¬1) : «لن يتفقه أحدكم كل الفقه حتى يرى للقرآن وجوها كثيرة» وبهذا السبب دعا رسول الله عليه السلام لابن عباس فقال: «الله فقهه في الدين وعلمه التأويل» (¬2) . ولذلك كان أكثر/ أصحاب رسول الله عليه السلام تفننا في التفسير. وكان له قلب عقول ولسان سئول. ويقتبس التفسير من كل أحد، والسبب أن رسول الله عليه السلام دخل المستراح فملاء ابن عباس إناء ماء ووضعه له فلما خرج قال عليه السلام: من فعل هذا؟ فقيل: ابن عباس. فقال عليه السلام: «اللهم فقه في الدين وعلمه التأويل». وكان يأخذ التفسير من مولاه عكرمة مع جلالته. ولقد سمعه عكرمة ذات ليلة يبكي ويقول: ليت شعري: ما فعلت الفرقة الثالثة؟! وذلك أنه تلا قول الله تعالى، يريد الفرقة التي قالت: { لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا. قالوا: معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون } (¬3) . ثم قال: { أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون } (¬4) . فقال له عكرمة: نجت ورب الكعبة. فقال ابن/ عباس: وكيف ذلك؟ فقال: ألم تسمع قول الله تعالى: { وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون } فالله أجل وأكرم من أن يأخذ الباقين. فقام ابن عباس وقبل رأسه وقبل عنه تفسيره (¬5) .
Halaman 279