92

Dara Quraysh

عذراء قريش

Genre-genre

فلمح محمد من وراء ذلك أمرا مكتوما فقال: «وماذا يعني مولاي بالحرب الأخرى؟ وهل حدث ما يدعو إلى حرب؟»

فألقى علي الرقعة إليه وقال: «اقرأ هذه فقد أتتني الآن بالخبر اليقين.»

فتناولها محمد ونظر فيها فإذا هي كتاب أم الفضل من مكة تنبئ الإمام عليا باجتماع طلحة والزبير وأم المؤمنين على الطلب بدم عثمان، وأنهم تهيئوا للسير إلى البصرة.

فبغت محمد وتلا الرقعة مثنى وثلاث. وتحول علي إلى مصحف على منضدة أمامه فتناوله وجعل يقلب صفحاته.

وهم محمد أن يتكلم فرآه يقلب صفحات القرآن، فلبث صامتا وقد هاله ما أحاط بهذا الخليفة من البلاء، وتذكر أخته وأسماء عندها.

ورفع علي رأسه ونظر إلى محمد وقال له: «أرأيت ما فعلت بنا أختك؟»

فقال محمد: «إني أعجب من عملها، ولا أكاد أصدق أنها تقدم على هذا! فما الذي حملهم جميعا على الانتقاض؟!»

قال علي: «أتسألني يا محمد عن السبب وقد أنبأتكم بهذه الأحداث قبل وقوعها؟! كم قلت لكم: دعوا عثمان وشأنه لا تقتلوه، لأن قتله سيؤدي إلى الفتنة لطمع بعضهم في الخلافة! فلو ظل عثمان حيا لم يكن ثمة ما يبعث على هذه الحروب، وقد بايعوني وأنا أعلم أنهم يضمرون غير ما يظهرون، فإن طلحة والزبير يريدها كل منهما لنفسه دون سواه فهما في انقسام عليها، وسترى إذا كتب لهما النصر أن الحرب ستقوم بينهما حتى يفني أحدهما الآخر ويقتل الألوف من المسلمين. ولو تيقنت أن خلعي من الخلافة يخمد الفتنة لتنازلت عنها اليوم، ولكنها تصبح بعدي فوضى كل منهم يتطلبها لنفسه. ناهيك بمعاوية في الشام وما يجول في خاطره من الطمع فيها، ولا يغرنك ما يدعيه من الثأر لدم عثمان لأنه لو أهمه لنصره قبل أن يقتل، ولكنه اتخذها ذريعة إلى التماس الخلافة لنفسه على علمه أني أولى الناس بها. فالغيرة على الإسلام تدعوني إلى الدفاع عن خلافتي لعلهم يجمعون على بيعتي فترقد الفتنة، وأما خروجها من يدي طوعا أو كرها فإنه يدعو إلى فتنة عظمى أخشى أن تقضي على الإسلام والعياذ بالله!»

وكان يتكلم والعرق يقطر من جبينه وخديه على لحيته وقد احمرت عيناه واغرورقتا بالدمع، وتجلت في وجهه ملامح تشف عما قام في نفسه من الغيرة على الإسلام، فازداد مهابة حتى لم يعد محمد يستطيع النظر إليه تهيبا من غضبه وخجلا من نفسه لأنه كان في جملة الذين رأوا قتل عثمان، فارتج عليه ولبث صامتا.

وكأنه أراد أن يعتذر لأخته فقال: «يلوح لي يا مولاي أن أختي لم تقم للأمر إلا بتحريض طلحة والزبير وقد خرجا من المدينة غاضبين، وإني لأرجو إن لقيتها أن أحولها عن عزمها. ولكنني لم أر وجه الحكمة في مسيرهم إلى البصرة دون سواها.»

Halaman tidak diketahui