أما هي فقد كانت في شاغل عن حاله بما هي فيه من القلق على أمها، وكانت قد اطمأنت قليلا لما رأتها منتبهة وقد ندمت على عودتها بغير علي، ولكنها أيقنت أن مجيئه لم يكن ممكنا والناس في انتظاره عند منزله على تلك الصورة. ثم حولت وجهها نحو محمد وعيناها شاخصتان إليه لا تتحركان إلا تكلفا فلم تتفرس فيه إلا قليلا حتى تساقطت دموعها على خديها. فلما رآها محمد تبكي انفطر قلبه، فخاطب المريضة قائلا: «كيف أنت يا خالة؟»
فقالت: «ابن أبي بكر؟»
فلما سمع قولها اقشعر جسمه، وابتدرها قائلا: «أجل إني هو، ماذا تأمرين؟»
قالت: «أين هو علي؟» قال: «قد بعثني لأنوب عنه لأنه في شاغل مهم، فأمري بما تريدين.»
قالت: «لا أريد أحدا غير علي، أدركوني به. لا أريد أحدا سواه.» قالت ذلك وظهر الكدر في وجهها.
فعجبت أسماء لما سمعت أمها تقول «ابن أبي بكر»، وشعرت عندما سمعت اسمه من فمها بارتياح إليه، ولكنها تململت لإصرارها على استقدام علي فقالت لها: «ألا تزالين تطلبين عليا؟»
قالت: «نعم لا أزال أطلبه، أدركوني به فإن في نفسي سرا لا أبوح به إلا له، أدركوني به قبل انقضاء أجلي.»
فنظرت أسماء إلى محمد نظرة استحثاث أثرت فيه تأثيرا غريبا، وشعر كأن نظرها اخترق صدره حتى وقعت سهامه في قلبه فنهض للحال وقال لأسماء: «إذا لم يكن بد من استقدام علي فإني ذاهب لاستقدامه.» وخرج فامتطى جواده وهمزه نحو المدينة وعزم على ألا يعود إلا بعلي.
وخرجت أسماء تنظره فسمعت وقع أقدام جواده يخترق السهل، وتذكرت يزيد فبحثت عنه فإذا هو نائم في خيمة أخرى لا يبالي شيئا فلم تكترث له.
وعادت إلى سرير والدتها وقلبها يخفق خوفا عليها، فإذا هي قد غيرت وضعها فتحولت إلى جنبها الآخر وأطبقت أجفانها بعض الإطباق أو هي أرختها، وعيناها مفتوحتان على كيفية لم تعهدها فيها من قبل، ورأت حدقتيها قد جمدتا وشخصتا فخافت من منظرها ونادت العجوز وكانت قد خرجت لحاجة فقالت لها: «ما بال أمي قد غيرت وضعها؟ وما لي أرى عينيها شاخصتين جامدتين؟!»
Halaman tidak diketahui