57

Gigitan Anjing

عضة كلب: مجموعة قصصية

Genre-genre

وأنا أنهض متثاقلا قلت: جميعنا في حاجة إلى طبيب.

هل أصبح كثيرا عليك يا مصطفى حتى أن تدفن كما يدفن الآلاف كل يوم؟! لا عليك يا بني، فعما قريب تصير الأرض كلها قبرا. عسير علي أن أتركك على هذا الحال، وقد أبيت أنت منذ ساعتين فقط أن تتركنا وتذهب إلى حالك، علك تنجو وأسرتك من كارثة وشيكة. عشت رجلا ومت رجلا يا مصطفى، رحمك الله يا صديقي.

ساعدتني زوجتي وليلى في حمل جثة مصطفى إلى حجرتي، وعلى فراشي كانت رقدته الأخيرة، وما قطع نحيب ليلى وأمها إلا دعوتي للصلاة على الفقيد. لبعض الوقت أنستنا فاجعتنا في مصطفي النكبة الكبرى التي تحيق بنا، وها قد عدنا نتشبث بالحياة ونفر من الموت.

قبل أن نغادر المنزل نصحت الأم ليلى أن ترتدي ملابس الرجال الواسعة لتخفي معالم أنوثتها، وأن تغطي شعرها بكاب، ودخلتا تبحثان بين ملابس حسن وعلي القديمة عما يصلح لهذا الغرض. وقد استحسنت الفكرة.

تلمسنا طريقنا في الشارع على ضوء النجوم، كان الشارع خاليا حتى من القطط والكلاب، وكان الصمت موحشا مخيفا، والمنازل المهجورة المظلمة على الجانبين بدت كالمقابر الضخمة تتوعد الأحياء بالمصير المحتوم.

عندما بدأت أذناي تلتقطان بعض الأصوات أدركت أننا اقتربنا من الميدان؛ خليط قوامه السواد يخنق الروح، ظلال لبشر بلا ملامح لا تميز فيها بين شيخ وشاب أو بين ذكر وأنثى، وأصوات متداخلة من أدعية وتراتيل ونحيب وصراخ ووعد ووعيد. والغريب وسط هذا المشهد أن تسمع أصوات شجار، والأغرب أن أصوات الشحاذين لا تنقطع وهم يبتزون مشاعر المقبلين على حساب عسير!

ما بين واقف وجالس ومستلق على ظهره يرقب الموت القادم من السماء، ظللنا نشق طريقنا بعنت بالغ، حتى بلغ بي الإعياء مبلغه، فراح عقلي يبرر ما انتويت فعله، تساءلت بصوت مسموع: لماذا نستمر في السير؟! وأي غاية تلك التي نسعى لبلوغها؟ فلنجلس أو نقف حيثما نجد لنا موضع قدم. هتفت الأم: علي، لم نعثر عليه بعد.

قلت: اليوم يوم فراق الأحبة.

تجاوزنا منتصف الليل بساعة ولم تنطبق السماء على رءوسنا بعد، والبعض يعبث بتليفونه المحمول عله يلتقط صوتا، أي صوت، وآخرون يرقبون الطريق الرئيسي من بعيد ليتهم يشاهدون سيارة أو فوجا من المهاجرين يأتونهم بنبأ جديد.

بلغ اليأس أوجه فانحسر الخوف، وطال انتظار الواقعة فعاد الأمل ينبت في القلوب، استنفد الجميع كل جهد ممكن لكبح غرائزهم، ثم توارت الروح خلف جسد يلح في تحقيق مطلبه، بدأ الناس يشعرون بأن شفاههم تتشقق، وأمعاءهم تتلوى من الجوع، والصداع يضرب رءوسهم، وتعجز سيقانهم عن حملهم.

Halaman tidak diketahui