ولا حرج - كما أسلفنا - على رجل قويم الفطرة أن يلتمس المتعة في زواجه.
ولكن الذي حدث فعلا أن المتعة لم تكن قط مقدمة في الاعتبار عند نظر النبي في اختيار واحدة من زوجاته قبل الدعوة أو بعدها، وفي إبان الشباب أو بعد تجاوز الكهولة.
وآخر صورة يتصورها المنصف هنا هي صورة رجل فرغ للذاته، وجلس ينتقي واحدة بعد واحدة من الحسان على حسب ما يرجوه عندها من متاع. فإنما كان الاختيار كله على حسب حاجتهن إلى الإيواء الشريف أو على حسب المصلحة الكبرى التي تقضي باتصال الرحم بينه وبين سادات العرب وأساطين الجزيرة من أصدقائه وأعدائه، ولا استثناء في هذه الخصلة لزوجة واحدة بين جميع زوجاته حتى التي بنى بها فتاة بكرا موسومة بالجمال، وهي السيدة عائشة بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنه ...
إلا أن المشهرين المتقولين نسوا كل حقيقة من حقائق هذه الحياة الزوجية التي سجلت لنا بأدق تفصيلاتها، ولم يذكروا إلا شيئا واحدا حرفوه عن معناه ودلالته، ليفتروا على النبي ما طاب لهم أن يفتروه، وذلك أنه جمع في وقت واحد بين تسع زوجات.
نسوا أنه اتسم بالطهر والعفة في شبابه فلم يستبح قط لنفسه ما كان شباب الجاهلية يستبيحونه لأنفسهم من اللهو المطروق لكل طارق، في غير مشقة عندهم ولا معابة.
ونسوا أنه بقي إلى نحو الخامسة والعشرين لم يتعسف في طلب الزواج الحلال وهو ميسر له تيسره لكل فتى وسيم حسيب منظور إليه بين الأسر وبين الفتيات.
ونسوا أنه لما تزوج في تلك السن كان زواجه بسيدة في الأربعين اكتفى بها إلى أن توفيت وهو يجاوز الخمسين.
ونسوا أنه اختار أحسابا في حاجة إلى التآلف أو الرعاية ولم يختر جمالا مطلوبا للمتاع ...
ونسوا أن الرجل الذي وصفوه بما وصفوا من تغليب لذات الحس لم يكن يشبع في بعض أيامه من خبز الشعير، ولم يجاوز حياة القناعة قط لإرضاء نسائه وإرضاء نفسه، ولو شاء لما كلفه إرضاء نفسه وإرضاؤهن غير القليل بالقياس إلى ما في يديه.
نسوا كل هذا، وهو ثابت في التاريخ ثبوت عدد النساء اللاتي جمع بينهن عليه السلام ... فلماذا نسوه؟
Halaman tidak diketahui