على أننا نلمس دلائل هذا الفؤاد الرحب وهذا العطف الإنساني الشامل في معاملته لأعدائه وشانئيه فضلا عن معاملته للأصفياء، ومن ليس بينهم وبينه عداء ولا صفاء ...
فما ثأر من أحد لأنه أساء إليه في شخصه، وقد عفا عن رجل هم بقتله وهو نائم ورفع السيف ليهوي به فسقط من يده على كره منه، وما حارب قط أحدا كان في وسعه أن يسالمه ويحاسنه ويتقي شره.
ومعاملته لعبد الله بن أبي الذي كان المسلمون يسمونه رأس النفاق مثل من أمثلة الإغضاء والصفح الجميل، فقد عاهد وغدر ثم عاهد وغدر وعاش ما عاش يكيد للنبي عليه السلام في سره ويمالئ عليه أعداءه، وشاع أن النبي عليه السلام قضى بقتله فتقدم ابنه، وقال له: «يا رسول الله، إنه بلغني أنك تريد قتل عبد الله بن أبي فيما بلغك عنه، فإن كنت فاعلا فمرني به فأنا أحمل إليك رأسه. فوالله لقد علمت الخزرج ما كان بها من رجل أبر بوالده مني، وإني لأخشى أن تأمر به غيري فيقتله؛ فلا تدعني نفسي أنظر إلى قاتل أبي يمشي في الناس فأقتله فأقتل رجلا مؤمنا بكافر فأدخل النار.»
فأبى النبي أن يقتله وآثر الرفق به، وزاد في إفضاله وإجماله فكافأ الولد خير مكافأة على خلوص نيته وإيثاره البر بدينه على البر بأبيه فأعطاه قميصه الطاهر يكفن به أباه، وصلى عليه ميتا ووقف على قبره حتى فرغ من دفنه ، وقد حاول عمر أن يثنيه عن الصلاة على ذلك العدو الذي آذاه جهد الإيذاء فذكر الآية:
استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم (التوبة: 80).
فقال: «لو أعلم أني إن زدت على السبعين غفر له زدت.»
تهمة باطلة
هذه النفس المطبوعة على الصداقة والرحمة والسماحة ما أعجب اتهامها بالقسوة على ألسنة بعض المؤرخين الأوروبيين! ...
ما أعجب اتهامها بالقسوة لأنها دانت أناسا بالموت كما يدين القاضي مجرما بذنبه وهو من أرحم الرحماء؟ ...
ما أعجبهم إذ يذكرون العقوبة وينسون الذنب الذي استوجب العقوبة كما يستوجب السبب النتيجة.
Halaman tidak diketahui