وبنو جشم على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين ...
وهكذا إلى آخر الكتاب. •••
تلك النماذج من كلام النبي في أربعة أبواب مختلفات، تتفرق موضوعاتها كما تتفرق القصص والأوامر والرسائل والمواثيق، ولكنها كلها موسومة بسمة واحدة لا اختلاف فيها، وهي سمة الإبلاغ أو البلاغ المبين.
وأصدق ما يقال في تعريفها ما قيل في تعريف الخط المستقيم عند أهل الهندسة: أقرب موصل بين نقطتين.
فليس أقرب من هذا الأسلوب في إبلاغ الغرض منه.
لا كلفة ولا غموض ولا إغراب، وقلة الغريب - بل ندرته - في كلام النبي أجدر الأمور بالملاحظة في إقامة المثل والنماذج لأساليب البلاغة العربية ...
فمحمد العربي القرشي الناشئ في بني سعد العالم بلهجات القبائل حتى ما تفوته لهجة قبيلة نائية في أطراف الجزيرة، لم يكن في كلامه كله غريب يجهله السامع أو يحتاج تبيانه إلى مراجعة، وسر ذلك أنه يريد أن يبلغ أو يريد أن يصل إلى سامعه، ولا يريد أن يقيم بينه وبين السامع حاجزا من اللفظ الغريب أو المعنى الغريب، ومن ذلك ما روي عنه عليه السلام أنه كان يعيد الكلمة ثلاثا لتعقل عنه، وأنه كان يبغض التكلف والاغترار بالبلاغة كما قال: «إن الله تعالى يبغض البليغ من الرجال الذي يتخلل بلسانه تخلل الباقرة بلسانها.»
وقد عرف عن النبي عليه السلام في حياته الخاصة والعامة أنه كان قليل الكلام معرضا عن اللغو لا يقول إلا الحق وإن قاله في مزاح.
فمن ثم لا عجب أن يخلو كلامه من الحشو والتكرار والزيادة، فإذا كرر اللفظ بعينه كما جاء في بعض المعاهدات فذلك أسلوب المعاهدات الذي لا محيص عنه، لأن تكرار النص يمنع التأويل عند اختلافه فهو أيضا سمة من سمات الإبلاغ على سبيل التوكيد والتحقيق، أو على سبيل الإعادة التي روي أنه كان يتوخاها عليه السلام أحيانا ليعقل عنه كلامه.
وفي كتابه إلى النجاشي زيادة من أسماء الله الحسنى ومن الإشارة إلى المسيح وأمه لم تؤثر في الكتب الأخرى ... ولكنها ألزم ما يلزم في خطاب ملك مسيحي يراد منه أن يفهم كيف تتفق صفات الله والمسيح في دينه وفي دين المسلمين الذي يدعى إليه، وكيف يبتغي طريق المقابلة بين العقيدتين إذا شاء.
Halaman tidak diketahui