عبقرية محمد
عبقرية محمد
تأليف
عباس محمود العقاد
مقدمة
تعود بنا هذه المقدمة ثلاثين سنة، إلى اليوم الذي سمعت فيه أول اقتراح بتأليف كتاب عن محمد عليه السلام.
وكنت أقيم يومئذ في ضاحية العباسية البحرية على مقربة من الساحة التي كانت معدة للاحتفال بالمولد النبوي في كل عام.
ولنا رهط من الأصدقاء المشتغلين بالأدب، يشتركون في قراءة كتبه العربية والإفرنجية، ويترددون معا على الأحياء الوطنية، وقلما يترددون على غيرها، فلا يزالون متنقلين فترة بعد فترة، بين الحي الحسيني والحي الزينبي، أو بين منشية القلعة، وضاحية العباسية، أو بين الروضة والخليج ... على حسب المناسبات، وعلى غير مناسبة في كثير من الأوقات.
وكان رهطا له نقائض الدنيا مجتمعات: نقائض الشباب، ونقائض الحياة الفنية، ونقائض الاختلاف في البيئة بين ناشئ في العاصمة وناشئ في الريف وناشئ في الصعيد وناشئ في الثغور، إلى غير ذلك من النقائض التي كانت حلية لهذه الجماعة، ولم تكن فيها من دواعي التفرق والشتات.
ومن عجائبها أن الذي كان يغريها بالأحياء الوطنية هو قراءتها في الكتب الإفرنجية التي كانت شائعة بينها؛ لأنهم كانوا يقرءون أكثر ما كانوا يقرءون كتب «ديكنز» و«هازليت» و«لي هانت» و«كارليل» وهم كتاب مولعون بعرض الأخلاق الاجتماعية ودراسة العادات المحلية، وتمثيل الريفيين والحضريين في أوضاعهم المختلفة، ولهم فصول عن الأسواق، والدكاكين، والباعة، تفيض بحسن الملاحظة، وبراعة الفكاهة، ومتعة القراءة، وتعود من يدمن قراءتها أن يتحرى نظائرها حيثما رآها.
Halaman tidak diketahui