57

ولم تزل الأنباء - قبل مقدم سجاع وبعد منصرفها - يتابع بعضها بعضا بانكسار المرتدين وغلبة المسلمين عليهم، إلا ما كان من هزيمة عكرمة في اليمامة وانتصار بني حنيفة عليه، وهو انتصار لا يسر بني تميم لشدة المنافسة بينهم وبين بني حنيفة.

فلما أخذ الخليقة في عقد الألوية وتسيير البعوث كان بنو تميم على حالهم المعهود من التفرق والمراقبة بعضهم لبعض على توجس وحذر، فسبق بعضهم إلى المدينة بحصته من الزكاة، وتأخر بعضهم حتى نزل خالد بأرضهم فدفعوها إليه، وتحير مالك بن نويرة، فلم يعزم على الحرب ولم يؤد الزكاة.

وأغلب الظن أنه بدد ما جمع من الصدقات في هباته وملاهيه، ثم ليم في ذلك فأجابه لائميه بأبيات قال فيها:

وقلت خذوا أموالكم غير خائف

ولا ناظر فيما يجيء من الغد

فإن قام بالأمر المخوف قائم

منعنا وقلنا الدين دين محمد

يعني أن محمدا هو صاحب الدين وصاحب الزكاة، وقد مضى محمد فليس لأحد بعده أن يتقاضاه.

وهو على الجملة موقف رجل مسرف «لا يبالي ما يجيء من الغد»، كما قال : وليس بموقف عناد وتحفز لقتال.

فلما نزل خالد بالبطاح لم يجد أمامه أحدا يلقاه بزكاة أو يلقاه بقتال ... فعسكر حيث نزل وأرسل السرايا في أثر هذا البطاح، فجاءته بمالك بن نويرة في نفر من بني يربوع، فحبسهم ثم أمر بقتلهم، وحدث بعد ذلك أنه تزوج بامرأة مالك ليلى أم تميم، وكانت من أشهر نساء العرب بالجمال، ولا سيما جمال العينين والساقين ... يقال إنه لم ير أجمل من عينيها ولا ساقيها.

Halaman tidak diketahui