أخبر بقدومك فسر بقدومك وهو ينتظركم، فأسرعت المشي، فطلعت فما زال يبتسم إلي حتى وقفت عليه، فسلمت عليه بالنبوة، فرد علي السلام بوجه طلق فقلت: إني أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله. فقال: الحمد لله الذي هداك، وقد كنت أرى لك عقلا ورجوت ألا يسلمك إلا لخير.»
إلى أن قال : «وتقدم عمرو وعثمان فبايعا رسول الله
صلى الله عليه وسلم ، وكان قدومنا في شهر صفر من سنة ثمان، فوالله ما كان رسول الله يوم أسلمت يعدل بي أحدا من أصحابه فيما حزبه.»
فهذا السرد البسيط قد يحوم بنا حول الخالجة الأولى التي حركت قلب خالد إلى الإيمان بالدين الجديد، ونحسب أنها قد خالجته يوم التقائه بالمسلمين في طريقهم إلى مكة قبيل صلح الحديبية ... يوم ردته سكينة الصلاة عن جموع المسلمين وهم مسالمون قانتون إلى جوار البيت الحرام، ويوم بدا له أن هذا البيت العتيق غير خاسر شيئا بدعوة محمد وغلبة أصحابه على البلد الأمين، ويوم تراءى العنت من قريش أن يذودوا ابن عبد المطلب عن كعبة آبائه وأجداده، ويفسحوا طريقها للوافدين من حمير، كما قال الحليس بن علقمة الكناني سيد الأحابيش ...
فمنذ تلك الساعة تباعد ما بين خالد وبين الشرك وتقارب ما بينه وبين الإسلام، وطفق يتباعد من هناك ويتقارب من هنا حتى كانت مبايعته النبي على ما تقدم قبل فتح مكة بشهور.
وفي تحقيق هذا التاريخ - تاريخ إسلامه - خلاف غير قليل، ولكن التاريخ الذي جاء في سرده المنسوب إليه أرجح التواريخ جميعا لأسباب كثيرة، ليس بأهونها ولا أوهنها السبب النفساني الذي يقترن بغيره. فإن الوقت المشار إليه آنفا لهو أشبه الأوقات أن يتفق فيه قائد الحرب وقائد السياسة على انتهاء الجولة بين قريش والإسلام، ولن نجد وقتا هو أولى باتفاق القائدين على اختياره للتسليم من ذلك الوقت الذي تواردت فيه الخواطر بين خالد بن الوليد وعمرو بن العاص. وبعده قضي الأمر ولم يبق لمكة إلا أن تفتح أبوابها طائعة لمن هجرته وهجرها تلك السنوات الثماني.
وقد علم النبي - عليه السلام - جلية الأمر منذ قدم إليه الرفاق الثلاثة، فقال لصحبه: رمتكم مكة بأفلاذ أكبادها، وحق للمسلمين أن يحسبوا منذ تلك الساعة أن أولئك الرفاق الأفذاذ قد جاءوهم بمقاليد الكعبة ومسالك البلد الأمين.
فالواقع أن مكة قد أذنت بالفتح منذ فارقها خالد وعمرو وعثمان بن أبي طلحة، فأصبحت «المدينة المفتوحة» التي نعرفها في اصطلاح هذه الأيام، وأصبحت قضية مغلقيها في وجه الدين الجديد قضية عبث وحبوط.
ويخطئ الكاتبون الذين يزعمون أنها فتحت بعد شهور لأنها أخذت على غرة وزحف عليها جيش المسلمين في عشرة آلاف وأهلها معجلون عن الأهبة والدفاع.
فإن النبي - عليه السلام - إنما زحف عليها؛ لأن قريشا غدرت بعهدها وسطت على حلفائه من خزاعة، ثم أشفقت من القصاص فأوفدت أبا سفيان إلى النبي يستأمنه ويسأله مد العهد الذي أبرم بينهم في صلح الحديبية، فأبى النبي ولم يجبه، وأحس المشركون منذ اللحظة الأولى أن المسلمين زاحفون عليهم لا محالة، فلو أن قضية الشرك بقيت لها بقية من عزم لاستعدوا قبل السطو بخزاعة أو بعده على الأثر وأراحوا أنفسهم من الوساطة في التأجيل والمراوغة، ولكنه التسليم الذي بدأ بإسلام خالد وصاحبيه قد تراخى به الوقت إلى أجله المعلوم. •••
Halaman tidak diketahui